تونس | هدد رئيس الحكومة التونسية علي العريض، أمس، بالاحتكام إلى الشارع لإفشال محاولات المعارضة للالتفاف على الثورة، مؤكداً أن الحكومة قادرة على تجييشه لكشف محدودية التيارات التي تتكلم باسم الشعب. وكال العريضي الاتهامات للمعارضة التي تدعو إلى حل الحكومة والمجلس التأسيسي، واصفاً إياها بأنها انقلابية وانتهازية ومستبدة ولها أطماع شخصية. ووجه التحية إلى الشعب التونسي ووحدات الجيش والأمن، وقال «إنهم أسقطوا مشروعها الانقلابي في الماء». وفي مؤتمر صحافي عقده أمس، وصف العريض «كل من يتبنى مطالب المعارضة بالعدمي، لم يجد صدى في الشارع التونسي» على حد قوله، داعياً إلى «تكاتف الجهود وإلى الوحدة الوطنية لمواجهة الإرهاب في كنف الحيادية والتأسيس للدولة الديموقراطية المدنية التي تحترم الصندوق والشرعية ولا تبحث عن الفوضى». وأضاف: «الذين يحاولون الانقلاب لم يراعوا أي جانب اقتصادي ولا مصالح تونس، ويحاولون إفساد حياة الناس لمآرب ضيقة جداً». العريض أكد أن الحكومة ستواصل عملها وهي تقترح إنهاء كتابة الدستور والتصديق عليه قبل نهاية آب، وأن ينهي بقية القوانين الانتخابية قبل ٢٣ تشرين الأول، وأن تجرى الانتخابات يوم ١٧ كانون الأول. وتعهد مضاعفة الجهود في المجال الاقتصادي والاجتماعي، ووعد بتطبيق القانون على رابطات حماية الثورة وكل التنظيمات المخالفة للقانون.
وجاء مؤتمر العريض مخيباً للآمال؛ إذ تجاهل الاحتقان السياسي والشعبي، حيث انضم حزب التكتل من أجل العمل والحريات، الضلع الثالث في الترويكا الحاكمة، إلى الداعين إلى حل الحكومة وتشكيل حكومة وحدة وطنية أو وفاق وطني، في الوقت الذي ارتفع فيه عدد المنسحبين من المجلس الوطني التأسيسي إلى أكثر من سبعين عضواً، من بينهم نائبة عن حزب التكتل المشارك في الحكم.
دعوة حزب التكتل الذي يتزعمه رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر، جاءت بعد ارتفاع الغضب الشعبي وتمادي قوات الأمن في الاعتداء على المتظاهرين في جهات مختلفة من البلاد، ومن بينهم عضو المجلس الوطني التونسي المنسحب من المجلس نعمان الفهري الذي عنفته قوات الأمن وسببت له كسوراً في رقبته عند اقتحام الاعتصام صباح أمس أمام المجلس التأسيسي.
وفي الوقت الذي أعلن فيه النواب المنسحبون والجمعيات الشبابية الداعية إلى اعتصام باردو عودتهم إلى الاعتصام بداية من الخامسة من بعد ظهر أمس، أعلنت وزارة الداخلية أنها تجد صعوبة كبيرة في التفريق بين المحتجين من أنصار الحكومة ومعارضيها. وأكدت الوزارة أن عدد المحتجين وصل إلى ٢٥ ألف مساء الأحد، في حين أن الساحة ضيقة ولا تتسع لهذا العدد ولا بد من انتقال أحد الطرفين إلى مكان آخر، وهو ما رفضه النواب المنسحبون الذين اتهموا حركة النهضة بتجنيد أنصارها ورابطات حماية الثورة ومنحرفين مقابل مبالغ مالية للاعتداء على المعتصمين السلميين.
في هذا المناخ المتوتر، يحبس التونسيون أنفاسهم خوفاً من العنف واستعداداً لهذا السيناريو السيئ. وشكلت الجبهة الوطنية للإنقاذ تنسيقيات جهوية لتسيير الاحتجاجات في الجهات التي خرج بعضها عن سيطرة الحكومة بعد طرد المحافظين واقتحام مقارّ المحافظات مثل ما حدث في محافظتي سليانة وسيدي بوزيد.
وفي مواجهة هذا الاحتقان الشعبي في الشارع التونسي بعد اغتيال الشهيد محمد البراهمي، تمسكت حركة النهضة وحليفها حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي يترأسه الرئيس المرزوقي (شرفياً) بالمسار الانتقالي واعتبارهما دعوات المعارضة انقلاباً على الشرعية، وحذرا من مخاطر ما تدعو إليه المعارضة.
لكن الذي تجاهلته حركة النهضة وحزب المؤتمر الذي لم يعد له أي حضور خارج نوابه في المجلس التأسيسي ومستشاري الرئيس، أن الأحزاب والجمعيات ليس هي كل من يعارض الحكومة التي أصبح رحيلها مطلباً شعبياً لا يمكن أن يهدأ الشارع من دون الاستجابة له. وسيكون موقف الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الأعراف الذي ينتظر إعلانه الليلة حاسماً في مستقبل المجلس الوطني التأسيسي، وبالتالي مستقبل البلاد؛ لأن حل المجلس التأسيسي يعني إلغاء كل ما ترتب عنه بما يعني إقالة الحكومة والرئيس وبالتالي العودة إلى اللحظة الصفر عندما غادر الرئيس بن علي البلاد. فهل ستقوى حركة النهضة على مواجهة طوفان الغضب الذي يجتاح الشوارع التونسية ويكاد يعطل المرافق العمومية، فضلاً عن الخوف من انهيار الدولة والسلم الأهلي؟ المعطيات التي نلاحظها في الشارع، وخاصة بعد اغتيال الشهيد البراهمي، تؤكد أنّ من الصعب أن تتجاوز النهضة هذه المحنة خلافاً لمحنة اغتيال شكري بلعيد التي نجح آنذاك رئيس الحكومة حمادي الجبالي في امتصاصها. وسيكون خطاب زعيم حزب نداء تونس، أقوى أحزاب المعارضة ورئيس الحكومة الأسبق الباجي قائد السبسي، مساء اليوم الثلاثاء مؤشراً على وجهة الأحداث في الأيام المقبلة مع بيانات اتحاد الشغل واتحاد الأعراف.