تونس | صُدم التونسيون قبل دقائق من تناول الإفطار أول من أمس بسقوط ثمانية قتلى من الجيش الوطني وثلاثة جرحى في كمين نصبه إرهابيون في جبل الشعانبي في محافظة القصرين على الحدود التونسية الجزائرية (وسط غرب) وقد تم التنكيل بجثث ثلاثة منه، لتعلن تونس الحداد للمرة الثانية خلال اسبوع. وتم توجيه الاتهام مباشرة إلى حركة النهضة التي تتهمها قطاعات واسعة من الشعب التونسي وحتى بعض الناشطين بالمسؤولية المباشرة عن هذه الجريمة من خلال رعايتها للإرهاب والإرهابيين، لا سيما أن الجريمة تزامنت مع خطاب رئيس الحكومة علي العريض، الذي هدد فيه الغاضبين من أنصار المعارضة والجمعيات الشبابية، التي تدعو إلى التمرد، بالقبضة الحديدية وبدعوة أنصاره إلى الشارع.
هذه الحادثة المؤلمة هي الأسوأ والأكثر ضحايا منذ شهر نيسان الماضي عندما تم اكتشاف مجموعة مسلحة في أكبر سلسلة جبلية تونسية، الأزمة التي تسببت باستقالة رئيس الأركان السابق رشيد عمار.
وبغض النظر عن الجهة التي تقف وراء هذه الجريمة، التي تبرأ منها تنظيم القاعدة، فإن الحادثة زادت من احتقان الشارع التونسي ضد الحكومة وضد حركة النهضة التي تقودها.
وتجددت الدعوات أمس إلى حل الحكومة وحل المجلس التأسيسي وإقالة الرئيس، بينما ساند الاتحاد العام التونسي للشغل مطلب حل الحكومة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني والزام المجلس الوطني التأسيسي بجدول زمني قصير ومحدد لإنهاء إشغاله وتشكيل لجنة لمراجعة الدستور. ودعا الاتحاد الى تظاهرات في تونس غداة مقتل العسكريين.
اما الخلاف في الشارع التونسي فهو منحصر الآن حول المجلس التأسيسي، إذ إن حل الحكومة أصبح مطلب كل القوى التي لها حضور شعبي لافت، وتسربت انباء عن قبول حركة النهضة مبدأ تشكيل حكومة جديدة في حين تختلف الآراء حول حل المجلس التأسيسي.
ويساند الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الأعراف وحزب التحالف الديموقراطي قرار المحافظة على المجلس الوطني التأسيسي باعتباره منتخباً من الشعب مع إلزامه بموعد زمني سريع وضبط مهمته في إنهاء الدستور والقانون الانتخابي، على أن يحل نفسه قبل ٢٣ كانون أول المقبل. لكن أحزاب المعارضة الكبرى وخاصة «الاتحاد من أجل تونس» و«الجبهة الشعبية» تدعو الى حل المجلس، باعتباره هو مشكلة تونس الأصلية الآن.
وفي الوقت نفسه تتواصل الانسحابات من المجلس الدستوري مما يفقده القدرة على تمرير أي مشروع بعد انسحاب ثلث أعضائه. ويواصل المعتصمون في ساحة المجلس الوطني التأسيسي في ضاحية باردو، اعتصامهم الذي يستقطب كل مساء عدداً أكبر من الغاضبين على «النهضة» وحكومتها، حيث يطالبون برحيلها، بينما تتواصل الاعتصامات والتظاهرات واقتحام مقار الدولة في القرى والمدن.
والتحقت نقابات الأمن بموجة الحراك الشعبي، ففي ندوة صحافية عقدتها أمس كشفت نقابة الأمن على تورط حركة النهضة في اختراق المنظومة الأمنية. وقدم وليد زروق من نقابة أعوان السجون والإصلاح، قائمة في قيادات أمنية يقدمون خدمات أمنية إلى «النهضة».
وأكد نقابيون أمنيون أن حركة النهضة استعملت ملفات فساد لابتزاز عدد من الضباط الذين تورطوا مع المافيا العائلية المحيطة بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وبذلك نجحت في توظيفهم. كذلك كشفت النقابة أن المسؤول عن التكوين في وزارة الثقافة هو ابن أخت زعيم السلفية الجهادية «أبو عياض»، الفار من العدالة منذ أشهر.
وفي تأكيد ضمني لما كشفته نقابة الأمن، والذي كان حقوقيون قد كشفوه منذ أشهر عن جهاز أمن مواز تابع لحركة النهضة، قال وزير الداخلية لطفي بن جدو، إن وزارة الداخلية مخترقة من تيارات سياسية.
كما عبّر عن عزمه على الاستقالة من منصبه ومساندته لمطلب حكومة الإنقاذ الوطني. في هذا المناخ المحتقن، تحاول حركة النهضة الخروج من العزلة خاصة بعد انضمام حليفيها حزبي المؤتمر من اجل الجمهورية والتكتل من اجل العمل والحريات، إلى المطالبين بحكومة وحدة وطنية تساندها كل الأطراف السياسية.
وأصدرت «النهضة» بياناً دعت فيه إلى التمسك بشرعية «التأسيسي» ومواصلة المسار الانتقالي ووقعت على البيان مجموعة من الأحزاب الصغيرة ــ عددها ١٨ حزبا وأربع شخصيات قريبة من «النهضة» ــ التي ليس لها أي حضور في الشارع التونسي اليوم.
موافقة النهضة المتوقعة على مبدأ تشكيل حكومة وحدة وطنية مع المحافظة على المجلس التأسيسي قد لا تتجسد في الواقع إذ تصطدم برفض جبهتي المعارضة الأساسيتين: الاتحاد من اجل تونس بزعامة الباجي قائد السبسي رئيس الحكومة الأسبق، والجبهة الشعبية بزعامة حمة الهمامي، أي تفاوض قبل الاتفاق على حل المجلس التأسيسي وبالتالي إلغاء كل ما ترتب عنه من سلطات عامة.




الإرهابيون حققوا نصف أهدافهم

اعتبر الرئيس التونسي المؤقت منصف المرزوقي (الصورة)، أن «الإرهابيين» في بلاده حققوا نصف هدفهم المتمثل في إشاعة الفوضى والتفرقة، وحذر من أن تونس باتت مُهددة في نظامها السياسي ونمط حياتها، حسبما نقلت عنه صحيفة «دنيا الوطن» الالكترونية. وقال في كلمة إلى الشعب التونسي بثها التلفزيون الرسمي أول من أمس، عقب الإعلان عن مقتل عدد من العسكريين في كمين مسلح في غرب البلاد، إن الإرهابيين «حققوا نصف هدفهم المتمثل فى الفوضى والفرقة، فهل سنسمح لهم بتحقيق النصف الثاني؟». وأضاف أن تونس أصبحت «مُهددة في ثورتها، ونظامها السياسي، ونمط عيشها وإسلامها المعتدل»، داعياً في المقابل القوى السياسية، للعودة إلى الحوار الوطني ونسيان الغضب وتوحيد الصفوف لمجابهة الخطر. وقال المرزوقي «نحن شعب مهدد، وحان الوقت لعودة اللحمة الوطنية أكثر من أي وقت مضى، وذلك من خلال تجاوز الخلافات، والاتحاد لمواجهة الصعوبات الكبرى التي تمر بها تونس». وأعرب الرئيس التونسي عن ثقته في أن تونس ستتغلب على الإرهاب، وقال «نحن سننتصر لأننا على حق وفي الطريق الصحيح»، داعيا الطبقة السياسية إلى أن تعود إلى الحوار «بقلوب صافية». واشار إلى أنه إذا «حصلت أخطاء من الطرفين الحكومة والمعارضة فإنه يجب أن نواصل المسيرة».
(الأخبار)