ولئلا يسارع اليمين العنصري والفاشي اللبناني، الأصلع ديموقراطياً، والذي يحب التغني «بشعر ابنة خالته» مهما كانت، للقول بأن «دولة إسرائيل» أنتجت قناة إخبارية محايدة، تريد أن تساهم في دمقرطة حقيقية في هذا الكيان المبني على الاحتلال، نسارع الى التفسير بأن هدف القناة هو تماماً عكس «إظهار الوجه الحقيقي لإسرائيل» كما يقول القيّمون على القناة.
وهو وجه بدأ منذ سنوات عدة بالانكشاف أمام الرأي العام الاوروبي على حقيقته الفاشية العنصرية والمجرمة، برغم جهود حكومات أوروبا وارتباطاتها العضوية بإسرائيل، والابتزاز الذي تقوم به هذه الاخيرة تجاه الاوروبيين بمداعبتها الدائمة لعقدة ذنبهم تجاه المحرقة اليهودية خلال الحرب العالمية الثانية. هكذا، بدأ المشروع منذ سنتين، فابتاعت القناة العتيدة البنية التحتية لقناة فرنسية/يهودية أخرى اسمها «غيسين تي في» (Guysen TV)، على غرار «راديو شالوم» وغيره من قنوات الاعلام اليهودي، ووظفت فرنسياً إسرائيلياً من أصل مغربي اسمه فرانك ميلول، كرئيس تحرير للقناة الجديدة. أما أهم تفصيل في «سي في» أو سيرة رئيس التحرير الذاتية، فكونه موظفاً سابقاً في وزارة الخارجية الفرنسية مهمته وضع «الاستراتيجية المرئية والمسموعة للخارجية الفرنسية»!
وتمتد الهوية الفرنسية في القناة التي بدأت البث الى جانب الفرنسية بالانكليزية (طامحة إلى جمهور أميركا الشمالية) والعربية (لساعات معدودة حتى الآن) الى هوية مالك القناة. فباتريك دراهي رجل أعمال فرنسي إسرائيلي، والمالك الأكبر للأسهم في القناة الجديدة، إضافة الى ملكيته لشركة «هوت» وشركة «هوت موبايل»: الأولى هي إحدى شركتي الكابل في إسرائيل، والثانية مشغل موبايل أساسي هناك.
هكذا، تحس إسرائيل اليوم، التي تختبئ خلف القطاع الخاص في القناة الوليدة برغم نفي القيمين عليها لأي علاقة تمويلية بدولة إسرائيل، بتدهور صورتها في أوروبا وفي العالم، لذا تظن أنها بحاجة ماسة الى «أن نوضح للعالم أن إسرائيل بلد حي، عصري، بشبابه ومقاهيه وشواطئه وأسلوب حياته البعيد كل البعد عن صورة بلد في حالة حرب، حيث يستنكف الفنانون والمغنون الاجانب عن المجيء بسبب رفض شركات التأمين تغطية رحلاتهم إليه»، حسب حاييم سلوتزكي مالك القناة الرسمي، وهو صاحب شركة إنتاج تعمل مع «هوت» إحدى شركتي الكابل في إسرائيل التي يملكها كما أسلفنا باتريك دراهي.
لكن، بعد سنة ونيف من الإعداد، يبدو أن القناة التي تتغنى بكونها تجمع «يهوداً ومسلمين ودروزاً ومسيحيين في طاقمها المكوّن من 150 صحافياً إسرائيلياً و20 مراسلاً»، حسب رئيس تحريرها فرانك ميلول، لديها مشكلة في تأمين مراسلين لها في البلدان العربية. هكذا، وبعد بداية مفاوضات باسمها الحقيقي وهويتها الحقيقية مع مراسلين أجانب في لبنان منذ تشرين الاول عام 2012، وفشل تلك المفاوضات، كلفت القناة «النزيهة» شركة إنكليزية (GRNLive)، مقرها لندن، أن «تدبر» لها مراسلين في المنطقة، بدون التصريح باسم القناة الإسرائيلية. فشركات كهذه تؤمن تقارير تباع لها أساساً وتعيد توزيعها على التلفزيونات المتعاقدة معها كونها أيضاً تؤمن «مراسلين على الهواء خلال 24 ساعة» حسب الإعلان على موقعها*(2). لكن المراسلين الاجانب في لبنان لم يكونوا أغبياء. يقول أحد الزملاء إنه بعد «أن فاوضتني سيدة عراقية الاصل من لندن على القيام ببث مباشر، سألتها لمصلحة من ستكون رسالتي المباشرة من بيروت؟ فلم تملك إلا أن تخبرني بالهوية الحقيقية للمشتري»، يقول الصحافي الذي اتصلت به الشركة المذكورة منذ أيام حين أعلن الاتحاد الاوربي إدراج الجناح العسكري لحزب الله على لائحة الإرهاب الاوروبية. ويضيف الرجل «استأت بالطبع لأنها في البداية لم تقل لي من هي الجهة المستفيدة، لكني رفضت وقلت لها إني أعمل في لبنان ولا يهمني بأي شكل التشويش على مهنتي هنا».
الرواية نفسها تقريباً تعيدها علينا إحدى المراسلات الأجنبيات (فرنسية) ثم مراسلة أخرى. يبدو أن القناة مستميتة للحصول على رسالة من هنا. ولكن كل محاولاتها باءت بالفشل.
نظرة واحدة الى موقع القناة تبدو من خلالها الاهداف الحقيقية لها في تضليل الرأي العام. هناك مثلاً مقالة عن اغتيال الجيش الاسرائيلي للفتى الفلسطيني محمد الدرة*(3) وقصة استشهاده في حضن أبيه المدني الذي كان يختبئ ويخبّئ ابنه من رصاص الجنود أمام عدسة تلفزيون فرنسي، تخلص المقالة بالطبع الى خلط القصة البسيطة والموثقة بعدسة «فرانس دو» (والتي بتّتها المحاكم الفرنسية لمصلحة والد محمد الدرة) في ذهن القارئ أو المشاهد غير المطلع أو غير المتابع.
أما لبنان؟ فلم أجد عنه إلا مقالة بورتريه عن.. فضل شاكر*(4)! أما لماذا فضل شاكر؟ احترت في البداية، ولكن ما إن وصلت الى المقطع الثالث من المقالة التي كانت تتحدث عن المطرب الذي تحول الى الجهاد والذي «قتل 17 عسكرياً في الجيش اللبناني» حتى فهمت. يقول المقطع إن فضل شاكر هذا المطرب الرومنسي الذي كان «صوته المخملي» يشنف آذان المحبين، كان مناصراً لـ«الحقوق الفلسطينية»، وإنه أحب فتاة فلسطينية، وبكى لما تركته على المسرح، ثم تحول الى الجهاد مع الشيخ الأسير وقام بقتل 17 عسكرياً في الجيش اللبناني.
هكذا يصبح الربط بين مناصرة القضية الفلسطينية والتحول الى «إرهابي جهادي يقتل الجنود» كفيلاً بتبرير نشر هذه المقالة السخيفة.
لكن رغم هذا السخف، وهذه اللعبة التي تعودناها في لبنان وفلسطين وسوريا، يجب التنبه الى ما تبثّه هذه القناة والعمل على مواجهتها. ولا نظن أن موقع المنار بالفرنسية.. كاف للقيام بذلك.







الصورة الحقيقيّة

يبدو أن نضال العديدين، وعلى رأسهم «بعثات الحماية المدنية» التي راهنت على اطلاع مدنيين أوروبيين على حقيقة إسرائيل ميدانياً، أثمرت، بجهود أوروبيين وعرب متنورين فهموا من أين تؤكل كتف إسرائيل. فقد واظبت هذه التنسيقية على تنظيم رحلات لهؤلاء المواطنين الأوروبيين الى فلسطين المحتلة (على حسابهم الخاص) منذ انطلقت في عام 2001، حتى تعدت رحلاتها مئة وسبعة وثمانين رحلة حتى اليوم، وهي لا تزال تكمل مهمتها ولو بوتيرة أبطأ، وأطلعت أكثر من أربعة آلاف مواطن أوروبي على حقيقة الوضع في فلسطين المحتلة. كانت الرحلات، لمن تابعها أو رافقها، وبعضهم أصدقاء للأخبار، محفوفة أحياناً بالمخاطر. فهوجم البعض وألقي القبض على كثيرين كانوا يساعدون مجرد مساعدة الفلسطينيين، ووضع كثيرون على اللائحة السوداء للكيان، فأصبحوا ممنوعين من الدخول الى إسرائيل.
إضافة الى ذلك، ربما تجب الإشارة الى جهود «أجانس أم فلسطين» (Agence M Palestine) التي انبثقت عن مهمات الحماية المدنية عام 2009 بعد العدوان على غزة، وهي تقود اليوم إعلامياً المواجهة مع نفوذ إسرائيل في أوروبا (اقرأوا رسالتهم الى جولييت بينوش لمنعها من زيارة إسرائيل في مجلة «لو نوفل أوبسرفاتور» هذا الأسبوع).


1* http://www.i24news.tv/fr /

2* http://www.grnlive.com/

3* http://www.i24news.tv/ar/%D8%A2%D8%B1%D8%A7%D8%A1/130727-%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D8%A7-%D8%B2%D8%A7%D9%84-%D9%85%D9%87%D9%85%D8%A7


4* http://www.i24news.tv/fr/actu/international/moyen-orient/130729-liban-intineraire-d-un-chanteur-devenu-djihadiste