القاهرة | سبق أن انتقدت «جبهة الانقاذ» الوطنية ومنسقها العام الدكتور محمد البرادعي، القمع الذي استخدمه نظاما حسني مبارك الرئيس المخلوع ومحمد مرسي الرئيس المعزول، تجاه فض الاعتصامات بالقوة، ولكن ما لبث أن تكررت نفس أحداث العنف والاحتجاجات في الفترة الانتقالية، التي تعد «جبهة الانقاذ» ومنسقها محمد البرادعي أحد قادتها. غير أن الأخير لم ينطق ببنت شفة اعتراضا على بيان وزارة الداخلية، والذي أعلن خلاله أنه جاء بناء على قرار مجلس الوزراء سيتم البدء في اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لفض اعتصامات ميداني رابعة العدوية والنهضة. البرادعي، الذي لقبه البعض بقائد شرارة الشباب الثورية، وملهمهم ومنظّرهم، راهن عليه قطاع عريض من الشباب وألحوا عليه في الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية الماضية. ثم طالبوه بقبول أي منصب يعرض عليه للمشاركة في ادارة الدولة بعد الثورة، ولم يستجب لهذه الدعوة الا بعد أحداث «٣٠ يونيو»، حيث تولى منصب نائب الرئيس للشؤون السياسية، وهو منصب غير دستوري.
غير أن الرهان عليه ما لبث أن تبدد بعد أول اختبار للحريات تعرض له «البوب»، كما يلقبونه في مصر، والمتمثل في تظاهرات واعتصامات أنصار الرئيس المعزول، والتي لم يثبت حتى الآن وجود أسلحة داخل اعتصام رابعة، بحسب شهادة الحقوقي وأحد الزائرين الدائمين للاعتصام، حسام بهجات، الذي يؤكد «لم يثبت لنا رغم كل محاوﻻت التحقيق».
انقلاب البرادعي على مواقفه دفع ناشطي الفضاء الالكتروني الى التساؤل «البرادعي اللي على تويتر يحب يقول ايه للبرادعي اللي في السلطة». وهو كان أول من روج للفضاء الإلكتروني على «تويتر» داخل مصر، منذ عام 2010. ومما كتب حين كان يخاطب الجماهير عبر الفضاء الالكتروني خاصة «تويتر»: «حتى اذا كان الاعتصام مخالفاً للقانون هل يتم فضه بهمجية ووحشية؟ هذه في حد ذاتها مخالفة أعظم لكل القوانين الإنسانية؟ ليس هكذا تدار الأوطان»، والمؤرخة بتاريخ 16 كانون الأول 2011، إبان اعتصام معارضي المجلس العسكري خلال الفترة الانتقالية في ميدان التحرير.
عبارات كثيرة غردها البرادعي عبر «تويتر»، مجملها رافض للعنف وقمع التظاهرات، للحد الذي وصف فيها استخدام العنف المفرط ضدّ التظاهر السلمي تحت أبصار الدولة بأنه فقدان للنظام وشرعيته. وما ذكر أيضاً «قمع التظاهرات السلمية.. اتفقنا أو اختلفنا معها، استمرار لممارسات نظام لم يسقط. هل نرى هذه المرة محاسبة من تورط في العنف من داخل النظام وخارجه؟» بتاريخ ١٢ نيسان ٢٠١٢. وقال إن «العنف يولد العنف، ومأساة الوطن لن تحل بالعنف. النظام هو المسؤول عن حماية المواطنين والتعامل مع أسباب العنف وتداعياته.. بعد العنف المفرط ضد التظاهر السلمي وقتل المتظاهرين تحت سمع وبصر الدولة مات الإعلان الدستوري والاستفتاء إكلينيكياً وفقد النظام كل شرعية»، بتاريخ ٦ كانون الأول 2012.
تصريحاته هذه هي التي جمعت حوله الكثير من شباب ثورة «٢٥ يناير»، حتى معارضوه كانوا يرون فيه المكسب الوحيد لـ«٣٠ يونيو» مراهنين على عدم صمته تجاه أي اعمال عنف.
يقول استاذ العلوم السياسية، محمد صفار، لـ«الأخبار» إن هذا التحول غالباً ما يحصل مع تغيير المواقع؛ فالسياسي خارج الحكم ينظر للامور والاحداث بشكل أبسط، وحين ينتقل إلى السلطة تمارس عليه الكثير من الضغوط التي تدفعه الى تغيير موقفه. هذا ما لم يكن موقفه قبل الوصول للحكم.. مجرد شعارات».
ويوضح أن «تاريخ التيارات الليبرالية في مصر غير مشرف من الاساس، لذلك أيدت الانقلاب العسكري، وتقاسمت معه الحكم صامتة تجاه ما يحدث للاسلاميين في ميادين اعتصامهم والتي اسفرت عن سقوط عشرات الضحايا منذ بدء الاعتصام».
ويؤكد الصفار أن السلطة تفضح وتكشف من يتبوأها وهي تفضح الآن حقيقة التيار الليبرالي، وضعف إيمانهم بشعاراتهم التي ظلوا ينادون بها طيلة تواجدهم في صفوف المعارضة.
البرادعي سبق أن ردد أن الشعارات وحدها لا تكفي فامنحو الاسلاميين فرصة. هو اليوم يثبت انه رجل شعارات فقط، حتى هذه الشعارات تخلى عنها ذات مرة عقب أحداث المنصة والتي أسفرت عن مقتل العشرات من المعتصمين، حيث كتب عقب الواقعة بساعتين على تويتر «أدين بكل قوة الاستخدام المفرط للقوة وسقوط الضحايا». وعندما قامت وسائل الاعلام المصرية بربطها بالاحداث، اتصل ببعضها لالغاء الربط، موضحا أنه لم يقصد هذا الحادث بعينه، وفق ما أكدت مصادر «الأخبار».