جامع بوبس؟ قلت لسائق التاكسي عائداً من شارع الحمرا؛ فأجابني «مخيم مار الياس .. طلاع»! فاجأتني اجابته فقد كنت اظن ان الكثير من الناس لا يعرفون الجامع المذكور، فعابر الشوارع العريضة التي تحيط به وبمخيم مار الياس، قد لا يتنبه إلى أن ثمة مخيماً يقبع في تلك المساحة الضيقة بين كنيسة مار الياس بطينا وجامع بوبس. ولعل الدلالة الوحيدة لوجود فلسطينيين في تلك الانحاء هي الصورة الكبيرة للزعيم الراحل «ابو عمار» التي تحتل جدران احد البيوت في الامتار القليلة الفاصلة بين الجامع ومدرسة الكنيسة. خطوات قليلة في الشارع العريض واذ به ينكمش فجأة ويتحول إلى مجرد «زاروب» ضيق، عندها تعلم انك أصبحت في المخيم. والمخيم بدوره يختلف عن باقي مخيمات لبنان؛ فهو الوحيد الذي نجا من الحرب الأهلية. وكانت القيادة الفلسطينية مصرّة على تحييده عن أتونها. هكذا اصبح ملاذاً آمناً للعائلات الهاربة من المخيمات المنكوبة في بيروت، وبمرور الزمن تحول إلى مقر لمعظم قيادات الفصائل الفلسطينية ومؤسسات العمل الاجتماعي لقربه من وسط العاصمة، وما يتمتع به من استقرار تاريخي ساعد على تكريسه بسط الدولة اللبنانية سلطتها داخله خلافاً للمخيمات الأخرى. فهناك، تنوب عن الدولة «لجان أمنية» مشكلة من الفصائل الفلسطينية تنسق مع الدولة، كل هذا لا يمثل ميزة مخيم مار الياس الوحيدة؛ فبالرغم من صغر مساحته التي لا تتجاوز 500 متر مربع، فإن في داخله تنوعاً كبيراً: فالفلسطيني إلى جانب اللبناني يتشاركان المخيم كمكان للسكن، وقد نشأت بينهما علاقات أخوية وحتى روابط اسرية اثمرها طول العشرة. ليس هذا وحسب؛ بل يوجد في المخيم ايضاً فسيفساء طوائف: فعلى امتداد زاروب واحد فقط لا يتجاوز طوله 50 متراً هنالك منزل مسيحي يليه منزل درزي بعده منزل سني خلفه منزل شيعي والجميع يعيشون مع بعضهم بسلام منذ سنين طويلة ولا يؤرق علاقتهم الطيبة اختلافهم الديني أو خلافاتهم السياسية. حتى الجامع الوحيد «بوبس» يصلي فيه الناس من كلتا الطائفتين السنية والشيعية من سكان المخيم والذين يتشاركون الاحتفالات بمناسباتهم الدينية والعائلية. هذا النموذج الصحي للتعايش السلمي بين الفلسطيني واللبناني والتنوع الطائفي والاستقرار الأمني والانفتاح الحاصل في هذا المخيم سبقته بكل تأكيد ارادة من اصحاب القرار فلسطينياً ولبنانياً للحفاظ على هذا الوضع، ولعل الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس محمود عباس إلى لبنان في ظل الظروف الأمنية الخطيرة التي تشهدها البلاد وتأكيده على أن جميع المخيمات تحت حماية وسلطة الدولة اللبنانية، عبرت عن ارادة فلسطينية بفتح الباب امام الدولة، لتكون باقي المخيمات كمخيم مار الياس نموذجا للتعايش السلمي.