دمشق | تأتي المناسبة ومعها حسابها مدفوعاً مسبقاً. في بلاد الحرب المعقدة، لا يرغب الناس في حضور أي مناسبة حتى لا تكبر أوجاعهم معها، فالغلاء إلى جانب التهديدات الإرهابية يجعلهم صيداً ثميناً للموت. الجميع في عاصمة الاشتباكات والصراع الدموي يتعرضون للتهديد المباشر وغير المباشر. مناطق عدّة وصلتها اتصالات من مصادر مجهولة عن نية لضرب مناطقهم لأنها لم تساهم بحمل السلاح أو تحتضن المهجرين، إضافة إلى أسباب أخرى. تروي منال ع. من حيّ الزاهرة جنوب دمشق لـ«الأخبار» أنّ «اتصالات جاءت لي ولزوجي لأننا لا نزال نعمل في مؤسسة الخزن والتسويق، بحجة أنها تابعة للنظام، وسنكون كما قالوا من المساهمين في دعم الغلاء ما لم نعط الناس من خيرات المؤسسات الاستهلاكية بقيمة نصف السعر أو تبرع في سبيل الثورة». لا تختلف منطقة جرمانا عن المناطق الساخنة، رغم عدم وجود صراع مسلح فيها. منذ يومين، خطف الموت من أهلها أكثر من أربعين شهيداً في تفجيرين ضربا قلبها المزدحم، إلى جانب سيل الاتصالات الواردة من الريف الموازي للمنطقة في منتصف الليالي، والتي تخبر بعض أهلي جرمانا بوجوب مغادرة بيوتهم وإلا ذاقوا ألم الانفجارات والقذائف. هي اتصالات مباشرة على هواتفهم الأرضية كما يقول البعض، بينما يؤكد أبو الياس، أحد قاطني جرمانا، أنّ «حوادث التهديدات نُفّذ بعضها على مستوى ضيق، بحيث تترك إحدى السيارات مثلاً في مكان لتعرقل السير ويترك صاحبها رقم هاتف يظهر خلف زجاجها، ليأتي أحد المدنيين ويتصل بالرقم الموضوع داخل السيارة، وإذا بجهاز الرقم موصول إلى موقت زمني على عبوة ناسفة داخل السيارة، لتنفجر ويتضح لاحقاً أن السيارة مسروقة». ويعتقد معظم الناس أن بعض التهديدات ناجمة عن ثارات شخصية، وأخرى صادرة عن لصوص وعصابات مجهولة نشطت في ظل غياب الرادع الأمني والقانوني.
ومع تزايد الخوف من قدوم عيد الفطر وما يحمله للمناطق التي لم تتعرض لاشتباكات، تجد السوريين في تلك المناطق لا يبرحون منازلهم كما في منطقة الدويلعة وباب شرقي وحالياً جرمانا، على عكس مناطق أكثر أماناً في قلب العاصمة مثل حي الشعلان والقصاع وشارع الحمرا وبوابة الصالحية. الناس يتسوقون في ساعات النهار الأولى، كأنهم يهربون صباحاً من مفاجأة قاتلة، فالعيد والمال والسكن الآمن، تقريباً هنا، لمن بقي معه رصيد وقدرة يُسعد به أولاده استقبالاً للعيد. وهؤلاء يشكلون 35 بالمئة من شرائح مجتمع الأزمة: «غلاء الثياب وحاجيات العيد من ضيافة وثياب لا يمكن ضبطها، علماً بأن الدولة قالت إنها ستلاحق المخالفين طيلة وقفة العيد وما يليها. تصوّر ثياب طفلين عبارة عن أربع قطع، يصل ثمنها إلى خمسة عشر ألف ليرة»، تروي أم عبادة، وهي تتسوّق في متجر وسط سوق الصالحية الدمشقي.
رغم الموت والانفجارات، تجد أناساً اعتادوا الموت، كأنه يمشي معهم في جيوبهم. تأتي تهديدات لمناطق وينفذ فيها، وأخرى تتستر على انكساراتها، والكل يرحّب بالعيد على طريقته بعدما تحوّل إلى مناسبة اجتماعية تحصد أكبر عدد ممكن من الدم السوري في وقت قياسي!