اللاذقية | لم يخطّط الجيش لاستعادة سلمى والريف الشمالي لمدينة اللاذقية الواقع تحت سيطرة مسلحي «جبهة النصرة» و«دولة العراق والشام الاسلامية» وتنظيمات إسلامية أخرى، إلا أن المعارضة المسلحة شاءت أن «تحرر الساحل». هكذا بدأت المعركة بالاجتياح المفاجئ الذي أوقع مئات المدنيين بين مخطوفين وشهداء وجرحى. كانت المعارك الأعنف التي يشهدها الساحل السوري. «لا نقاتل حباً بالثأر لشهدائنا الذين قضوا ضحية الغدر والغفلة، بل دفاعاً عن أرضنا التي استبيحت بما فيه الكفاية. يلزمنا القرار والإرادة كي نتابع لتحرير مدينتنا من رجس الغرباء الإرهابيين الحاقدين»، يقول أحد المقاتلين على جبهة قرية الخراطة، حيث تحصل أقسى الاشتباكات وأصعبها. محور استربة شهد بدوره معارك عنيفة كانت الغلبة فيها لمقاتلي الجيش السوري، وشاركت فيها معظم كتائب المعارضة، إلا أنها تراجعت تحت وطأة وقوع أعداد كبيرة من القتلى بين صفوفها، ينتمي معظمهم إلى جنسيات أجنبية. لم ييأس المسلحون من العمل على استعادة استربة. أمرٌ يقابله إصرار كبير من الجيش الذي يستميت من أجل استمرار السيطرة عليها. شائعات كثيرة تتناقلها صفحات المعارضة والتنسيقيات عن نصب الكمائن للتعزيزات التي يرسلها الجيش من إدلب باتجاه الساحل، فيما ينفي معظم العسكريين لـ«الأخبار» ذلك، ويعتبرون بثّ مثل هذه الأخبار نوعاً من رفع معنويات مسلحي المعارضة، التي هبطت بعد تنفيذهم العديد من المجازر في القرى القريبة من مناطق نفوذهم، من دون تحقيق أي هدف من أهداف المعركة.
فمعركة تحرير الساحل جعلت الاهتمام يتوجه إلى اللاذقية، ويتركز على تعزيز جبهات القتال المفتوحة فيها. وأصبح هدف الجيش الأول «تحرير الساحل» فعلياً من التجمعات المسلحة في القرى الجبلية. العسكريون يؤكدون أن لا تعزيزات عسكرية قادمة من محافظة إدلب التي تعاني بدورها من شراسة المعارك في مناطق عدة، في حين رصدت القوى الأمنية تحرّكات من ريف إدلب باتجاه شرق اللاذقية، وكان لسلاح الجو دورٌ في ضرب كل أرتال وآليات مقاتلي المعارضة الذين حاولوا الوصول لمساعدة المسلحين في جبال الساحل. وفيما العيون تترقب النصر الموعود في بلدة سلمى المحاصرة طيلة أيام العيد بعد سماع أصوات مقاتليها عبر أجهزة الاتصال اللاسلكية يستنجدون طلباً لمساعدة ألوية أُخرى بعد اقتراب ذخيرتهم من النفاد، أصابت ضربة جوية أحد المراكز لتجمعات المسلحين داخل البلدة، ما أدى إلى مقتل ستة من قادتهم في الساحل، إضافة إلى العشرات من المقاتلين.
الاهتمام الإعلامي الذي نالته معارك ريف اللاذقية من معظم وسائل الإعلام المعارضة والمستقلة قابله إحراز نصر صامت في مدينة أريحا التابعة لمحافظة إدلب. فرق من الجيش السوري استطاعت التقدم على محور أريحا بهدف الالتفاف من الشرق باتجاه ريف اللاذقية، وإيقاع المسلحين بين فكي كماشة. خطة من شأنها الإيحاء بنيات الجيش الحاسمة حيال المدينة، ومواءمة إنجازاته العسكرية فيها مع ما يحرزه في ريف دمشق والمنطقة الوسطى من البلاد. مصدر أمني أكد لـ«الأخبار» أنّ لا جدول زمنياً لانتهاء المعارك ودخول بؤر تمركز المسلحين لتطهيرها بالكامل كدورين وكنسبّا وناحية سلمى، مضيفاً: «نحن الآن على مشارف سلمى، ومناطق تركز المسلحين أصبحت تحت مرمى نيراننا». ولفت إلى أن الحديث عن انتهاء العمليات العسكرية في الريف خلال ساعات أو أيام هو ضرب من التسرع وحديث سابق لأوانه. وعلى الصعيد الإنساني تتوالى أخبار المخطوفين وحكايات المفقودين في رحلة عودتهم من الموت المحقق. «كتائب البعث» المقاتلة استطاعت تحرير ستة أطفال وامرأتين من عائلة القصيبي، وتمكنت من قتل ٦ من محتجزيهم بين قريتي بارودة وبلوطة. ورغم أن قتلى المسلحين قد تجاوزوا ٤٠٠ مسلح خلال اليومين الماضيين، لا تزال ضحايا المجازر التي جرت في قرى الريف أحاديث سكان المدينة. فمصير بعض المفقودين عُرف مع روايات يذكرونها عن المغامرات التي مروا بها في صراعهم من أجل البقاء. ريم الدوجي وأولادها كانت إحدى تلك القصص، حيث هامت المرأة وأطفالها على وجوههم في الغابات مدة ثلاثة أيام، ليُعثر عليهم أثناء تمشيط إحدى المناطق. فصول المأساة تعجز الدوجي عن شرحها بسبب خضوعها للعلاج بعد إسعافها في المستشفى الوطني في اللاذقية. النازحون في مركز طلال ياسين، بدورهم، يعجزون عن التأقلم مع واقعهم الجديد. يروون تحربتهم المؤلمة والصدمة ما زالت تلوّن أصواتهم وكلماتهم. يذكر أحدهم لـ«الأخبار» استمرار شعوره بالخوف «على كل المناطق ذات اللون الطائفي الواحد، إذ إنها معرّضة لاجتياح مماثل من قبل وحوش الكتائب السلفية». حملات دهم نفذتها القوى الأمنية في القرى المتاخمة لقرية بومكة كانت حديث معارضي اللاذقية، ولا سيما بعد إلقاء القبض على عدد من المتورطين في المجازر. أخبار خلافات كتائب المعارضة المسلحة أصبحت الحدث الأكثر تداولاً، حيث راجت معلومات من داخل المناطق المتوترة عن انسحاب «كتيبة سيف الله المسلول» بحجة نفاد الذخيرة، وعدم وجود مساندة من بقية الكتائب الإسلامية، فيما حمّلتها بقية الكتائب المسؤولية عن الهزائم المتلاحقة أمام الجيش. وعملت الكتائب المعارضة على كيل الاتهامات لأركان من «الائتلاف» المعارض بعد رواج معلومات عن منعهم وصول المساندة إلى المسلحين في الريف.