دمشق | لم يصل العيد إلى دمشق، فبعيداً عن الأخبار والواقع الأمني والأزمات الاقتصادية، لا تشي أسواقها بأي عيد أو فرحة، وإن كانت الحمراء والصالحية مكتظة بالناس، فهم في غالبيتهم يدخلون ويخرجون من دون أن تحمل أيديهم أيّ أكياس. فالأسعار أقوى من قدرة غالبيتهم على الشراء، كذلك قلّة من المحال عرضت بضائع جديدة مختلفة عن العام السابق.
لم تغر السوريين اللافتات المتحدثة عن الرخص أو التنزيلات، فهي بكل بساطة محاولة غير موفقة من التجار لإعادة الأسعار إلى حد قريب مما كانت عليه في السابق، بعدما رفعوها أكثر من أربعة أضعاف في الأشهر الماضية. إحدى السيدات تؤكد أنّ التسوق أصبح مستحيلاً في الوقت الحالي، وأن غالبية الموجودين في السوق «متفرجون» ولن يشتروا، ومن يشترِ فسيفكر في الشراء لأولاده والضروري فقط. وحتى هؤلاء الأطفال لن ينالوا حقهم، كما يؤكد أحد المواطنين، مشيراً إلى أنّ أسعار ملابسهم «غير منطقية وهي أكثر ارتفاعاً من أسعار ملابس الكبار». وإن كان التجار لا ينكرون هذا الوضع ويلمسون حيرة عيون زبائنهم أمام الأرقام غير المنطقية المكتوبة، فإنهم يتذرعون دائماً بالدولار، وبأن الغلاء يأتي من المصدر نفسه بعدما رفع الصناعيون أسعارهم.
ولا يغيب عن تبريرات التجار والصناعيين خروج العديد من المعامل والورش عن الخدمة، وخاصة أن غالبيتها كانت تنتشر في ريف دمشق وحلب، وهاتان المحافظتان تعانيان اضطرابات أمنية، وقصفاً واشتباكات، فضلاً عن سرقة أو احتراق الكثير من المعامل، ما اضطر أصحابها إما إلى السفر خارج سوريا، أو الانتقال إلى أماكن أكثر أمناً، دون أن يجعلها هذا الانتقال بعيدة عن الأزمات مع محدودية المساحات داخل العاصمة والمدن وصعوبة التنقل عبر الطرقات. مديرة التخطيط في وزارة الصناعة، ريم حللي، تشير إلى أنّ العديد من معامل ريف دمشق فضّلت الانتقال إلى داخل العاصمة باعتبارها أفضل حالاً من الريف، وأنّ الوزارة سهلت لهم هذه الهجرة التي بدأت منذ حوالى سنة ونصف سنة، موضحةً أن عمل الوزارة اليوم بات أشبه بـ«حلال المشاكل»، فهي تدخل في التفاصيل الشخصية لكل منشأة من أزمات الانتقال أو الاحتراق أو النهب وتحاول التعاون مع أصحابها لخفض الخسائر قدر الإمكان.
وتشير الأرقام التي حصلت «الأخبار» عليها من وزارة الصناعة إلى أنّ عدد الشركات التي أغلقت في دمشق وريفهما وحدهما - بما فيها شركات الملابس - بلغ حوالى 223 شركة، وإلى أن القيمة الإجمالية للأضرار هي 15 مليار ليرة سورية، فيما يُظهر عضو غرفة صناعة دمشق، بشار حتاحت، أنّ الرقم أكثر من هذا بكثير.
ويتحدث عن معامل ضخمة كانت تنتشر في الريف الدمشقي، بعضها يعمل في مجال القطنيات، وأخرى في مجال الألبسة احترقت وأغلقت.
وذكر بأنّ من تمكّن بصعوبة من نقل آلاته إلى داخل المدينة لا يعمل إلا بجزء من طاقته الإنتاجية السابقة.
ويلفت حتاحت إلى أنّ الأزمة لم تقتصر على الشركات والمعامل الكبرى، بل شملت حتى الورش الصغيرة التي كانت منتشرة في ذلك الريف أو بالقرب من دمشق.
ويضرب مثالاً عن منطقة الزبلطاني، التي كانت تضم حوالى الـ850 منشأة، وتُشغل قرابة العشرة آلاف عامل، فقد خرجت جميعها عن الخدمة نتيجة الوضع الأمني هناك.
وعن الغلاء وارتفاع الأسعار، يشير حتاحت إلى أنّ الصناعي مضطر إلى رفع أسعاره، فمواده الأولية يشتريها بالدولار، هذه العملة التي تغيرت قيمتها، فبعدما كان سعر الدولار بين 47 ـــ 50 ليرة، أصبح اليوم بسعر يراوح بين 190 ـــ200، وإن كانت الدولة ثبتت السعر على الـ175.
ويضيف إنّ الصناعي مضطر إلى شراء المواد الأولية بهذه الأسعار بغض النظر عن كل الصعوبات التي يعانيها في تأمين هذه
المواد.