بدأت عملية فض اعتصام أنصار جماعة الإخوان المسلمين في ميداني رابعة العدوية في القاهرة، ونهضة مصر في الجيزة. لكنها لم تنته. ومعها ظهرت سيناريوات عدة لمرحلة ما بعد الفض. سيناريوات تحدث عنها أكاديميون ومراقبون راوحت بين استمرار المواجهات أو استفحالها لدرجة حصول حرب طائفية مع الأقباط، بينما بقي سيناريو التفاوض مع النظام في آخر سلّم التكهنات. ففي رأي أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأميركية سعد الدين إبراهيم، أن ما قام به أنصار جماعة الإخوان أمس أمر «متوقع». قال لـ«الأخبار»، إن «من يعرف تاريخ الإخوان ومن درسه، يعلم أن هذه الجماعة الوحيدة التي لجأت إلى العنف في تاريخ الحياة السياسية المصرية، والتي خرجت منها كل الجماعات الإرهابية»، مشيراً إلى أن الوضع هذه المرة مختلف عن المرات العديدة التي كانت تواجه فيها الجماعة الدولة.
يضيف ابراهيم: «في الماضي، كانت الحكومة هي التي تواجههم، أما هذه المرة فالمجتمع هو الذي يواجههم ويكاد يكون أسبق من السلطة والدولة في استنكارهم وفي محاصرتهم، ولذلك فالجماعة تتصرف تصرفات هوجاء تظهر أعراضها في شوارع المدن المصرية من حرق للأقسام واعتداء على الممتلكات العامة».

ويرى الناشط السياسي المصري أن «ذلك لن يجدي نفعاً في إنقاذهم من الحفرة التي حفروها لأنفسهم بأيديهم»، متوقعاً ألا «تقوم للجماعة قائمة بعد هذه المواجهة قبل 20 عاماً على الأقل».
ويرى إبراهيم أن تلك المواجهات ستستمر لعدة أيام و«لكن قياساً على المواجهات الماضية فإن الدولة المصرية تنتصر عليهم»، مضيفاً أن «المطلوب الآن هو أن نستوعب شباب الإخوان وأن نعيد تأهيلهم ودمجهم في المجرى الرئيسي للحياة السياسية المصرية، لأن هؤلاء الشباب في النهاية هم أبناؤنا وأخوتنا وهم قد غُرّر بهم بواسطة القيادات الهرمة التي استغلت حماسة هؤلاء وألقت بهم في التهلكة. وبالتالي ينبغي أن نعيد أكبر عدد من هؤلاء ودمجهم في المجتمع».
ويبقى أن ما يطلبه إبراهيم ما هو إلا واحد من سيناريوات المرحلة المقبلة التي قد تحدث خلال الفترة الآتية، والتي من بينها أيضاً السيناريو الأخطر من قيام حرب أهلية والتي تنفي حدوثها الطبيعة الجغرافية والتاريخية للبلاد.
ويبدو السيناريو الآخر متعلقاً بإثارة حرب طائفية، وهو ما بدأ أمس بقرابة 18 حالة اعتداء ومهاجمة مقارّ قبطية من كنائس ومبانٍ تابعة لها ومحالّ يملكها أقباط في 6 محافظات، حسب تقرير نشرته غرفة عمليات اتحاد شباب ماسبيرو، الحركة القبطية التي تأسست بعد ثورة يناير 2011.
رغم تلك الحوادث، استبعدت نائبة المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في مصر روضة أحمد، خلال حديثها لـ«الأخبار»، تحوّل الأمور في مصر إلى حرب أهلية. وترى أن استهداف الكنائس في الوقت الحالي من المؤكد أنه مُدبّر من قبل جماعة الإخوان لأنهم هم من هدد بذلك من على منصة رابعة العدوية. وتشير روضة الى أن الإخوان يقومون بذلك انتقاماً من «تحالف البابا مع السيسي». وتفضل روضة وصف ما يحدث وما سيحدث خلال الفترة المقبلة بأنه «هجوم» على منشآت قبطية وليست حرب طائفية كما يسعى إليها الإخوان؛ «لأن في الوقت الحالي لي أصدقاء كثر مسلمون موجودون في مناطق فيها كنائس، لحمايتها بالتعاون مع أصدقاء مسيحيين». وتضيف أنه رغم الاعتداء على الكنائس لا توجد كراهية أو غضب من المسيحيين بشكل عام للمسلمين؛ «لأن الأقباط جزء من المجتمع ومتفهمون جداً الأحداث»، مشيرة إلى أن ما يحدث هو محاولة من الإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى لافتعال فتنة طائفية في مصر، لكنها لم تحدث.
يبقى سيناريو استمرار المواجهات في الشارع والسعي نحو التفاوض مع الدولة، هذا ما يتناوله الصحافي محمد إسماعيل، المتخصص في الشأن الإسلامي لدى جريدة «اليوم السابع»، معتبراً أن سيناريو المواجهة الصريحة سيؤدي إلى مزيد من اللفظ الشعبي، وﻻ سيما مع اصرارهم على حمل السلاح بحجة الدفاع عن النفس، وأيضاً مع اصرار فئات من الإسلاميين الذين ينضوون تحت لواء الإخوان على استهداف التجمعات القبطية بدعوى انها حرب على اﻻسلام.
ويلفت اسماعيل إلى أنه منذ عزل الرئيس محمد مرسي وجماعة الاخوان كانت تراهن على 3 أمور أولها الحصول على تعاطف شعبي بعد إراقة دماء مزيد من أنصارها، والثاني السعي إلى ضغط خارجي على النظام المصري، والثالث إحداث انشقاق داخل المؤسسة العسكرية.
ويضيف الصحافي المصري أن «المواجهة التي سيسعى لها الإخوان محسومة سلفاً لمصلحة النظام، أنه لا توجد قوى سياسية في مصر لديها جناح مسلح يستطيع مواجهة الدولة بجيشها وشرطتها»، لافتاً إلى أن الأخطر في هذا السيناريو انه سيعمل على تغير تاريخي في طبيعة تنظيم الإخوان، حيث سيتحول الى تنظيم شبه مسلح كما حدث مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر، وهو أمر قد يدخل مصر في دوامة من العنف ﻻ تنتهي اﻻ بعد سنوات طويلة.
ويرى اسماعيل أن «سيناريو التفاوض لن يحصل من خلاله الإخوان الآن إلا على امتيازات أقل بكثير من التي عرضت عليهم خلال اﻻسابيع الماضية، وأن موقفهم على الأرض أصبح ضعيفاً».