دمشق | تعتبر زراعة الزيتون إحدى أهم الزراعات وأقدمها في سوريا، ويعدّ قطاع الزيتون من القطاعات الهامة في تشغيل الأيدي العاملة على نحو مباشر أو غير مباشر في إنتاج وتصنيع وتخزين ونقل وتصدير منتجات الزيتون.‏ إلا أنّه في ظل الأزمة السورية، تعاني هذه الزراعة مشاكل جمّة، شأنها شأن باقي القطاع الزراعي. وتبلغ المساحة المزروعة بالزيتون 647 ألف هكتار، ويبلغ عدد الأشجار الإجمالي 100 مليون شجرة، المثمر منها 73 مليوناً، ويقدر متوسط الإنتاج السنوي من زيت الزيتون حوالى 150 ألف طن، يعتاش منه عشرات آلاف الأسر. ولم يقتصر دورها على توفير العمالة وتقديم المداخيل للصناعة فقط، بل توفر هذه الزراعة مادة غذائية أساسية في السلة الغذائية في سوريا. وأما الأهمية البيئية التي يحظى بها الزيتون، فتتمثل في حماية التربة من الانجراف والحدّ من عملية التصحر. ويمكن أن توفر مداخيل هامة لإنتاج الأعلاف والأسمدة والطاقة باستغلال المنتجات الثانوية. إلا أنّه في السنتين السابقتين، تناقصت إمدادات المستلزمات الزراعية كالأسمدة والمبيدات الحشرية التي تقدمها المؤسسات الداعمة، وتوقّف تصدير معظم كميات زيت الزيتون بسبب الأوضاع الأمنية في الكثير من المناطق التي تزرع الزيتون، وخاصة في ريف إدلب وحلب.
ويقول بعض المزارعين في محافظة السويداء إنّ تكلفة الإنتاج وصلت بهم إلى حدّ الخسارة، بسبب ارتفاع التكاليف من ماء وأسمدة ومبيدات وتكلفة القطف والعصر، عدا عن هبوط قيمة العملة وزيادة الأسعار، والتي أدت الى عجز مزارعهم من الزيتون عن سد تكلفة معيشتهم.
فرغم الزيادة في سعر صفيحة الزيت، من 3000 ليرة سورية إلى 11000 ليرة، إلا أنه يبقى الإنتاج قريباً من الخسارة، كما يوضح المزارع أبو غسان. ويروي أنّ تكلفة القطف للكيلو الواحد أصبحت 25 ليرة، ونقله إلى المعصرة 5 ليرات، وتكلفة عصره 25 ليرة، عدا عن تكلفة الري والتسميد والتقليم والرش بالمبيدات الحشرية. فإن الكيلو وسطياً يكلّف المزارع 105 ليرات سورية، بينما سعر مبيعه 115 ليرة، وإذا كانت صفيحة الزيت الواحدة تحتاج من 85 إلى 90 كيلو زيتون للعصر، فإن تكلفتها تصل إلى أكثر من 9000 ليرة للصفيحة الواحدة، ولذلك يقول أبو غسان إنّ مزرعته، كباقي مزارع الزيتون، ترد عليه ما يقارب 150000 ليرة سورية سنوياً، أي ما يقارب 900 دولار، علماً بأن مساحة مزرعته 10 دونمات.
ومن جهة تسويق المنتج، تُعتبر السوق الداخلية غير كافية لتصريف الإنتاج السنوي، ويقول المزارع أبو فارس جميل إنّ ما يقارب نصف إنتاج الزيت في مزرعته يبقى للسنة التالية، ويرد ذلك إلى أسباب تشريعية تحد من قدرة المزارع على تصدير منتوجه إلى الخارج، والذي يؤدي بالضرورة إلى كثرة العرض وقلة الطلب، وبالتالي انخفاض سعره أو كساده.
وفي موضوع مرتبط، يفتقر زيت الزيتون السوري إلى منافسة أنواع أخرى للزيوت الأجنبية، ويعزى ذلك إلى قلة حملات التوعية بفوائده، وقلة التقنيات المستخدمة في إنتاجه، وهو ما يؤثر على نقاوته وطعمته وتعليبه.
والخطر الذي يتعرض له شجر الزيتون حالياً هو انتشار ظاهرة التحطيب، في ظل نقص موارد الطاقة وغلائها، فبعد زيادة سعر المازوت وعدم قدرة المواطن على تحصيله للتدفئة، اتجهت البدائل إلى قطع أشجار الزيتون. ويشير مزارعون إلى أنّ استثمار خشب الزيتون للتدفئة أفضل من استثماره إنتاجياً، فوزن الشجرة الواحدة تقريباً 750 كلغ، يمكن أن تباع بـ 21000 ليرة، بينما تحتاج الشجرة الواحدة إلى 7 سنوات لكي ترد هذا المبلغ استثمارياً، الأمر الذي أدّى إلى تخلف هذا القطاع الزراعي عن التطور بعدما وصلت سوريا إلى المركز الخامس عالمياً في إنتاج زيت الزيتون بنسبة (4.6%) من الإنتاج العالمي، والذي يبلغ بالمتوسط 3 ملايين طن بعد كل من إسبانيا وإيطاليا واليونان وتونس.
لقد انتقلت سوريا من مرحلة استيراد زيت الزيتون في بداية التسعينيات إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، ومن ثم التصدير الذي بلغ ذروته عام 2006، حيث بلغت الكميات المصدرة أكثر من 40 ألف طن. والآن تشهد تناقصاً كبيراً في الإنتاج والتطور سببه الأوضاع الحالية والأزمات التي تحيط بالمواطن والوطن.