القاهرة | الجماعة تتساقط؛ هذا ما رآه البعض، خصوصاً بعد القبض على المرشد العام محمد بديع في منتصف ليل أمس، وقبله قيادات من الصف الأول، هذا فضلاً عن غالبية عناصر الصف الثاني. غير أن آخرين يرون أن تنظيماً متماسكاً كجماعة «الإخوان المسلمين»، لن يسقط بهذه السهولة المتوقعة. في ظل هذه التطورات، تساؤلات عديدة طُرحت حول مستقبل التنظيم، والإجابة عليها مرتبطة بشكل أساسي في الإجابة عن سؤال: من يحرك أعضاء الجماعة، ومن هي الحلقة الأقوى داخل التنظيم؟ والقيادة الوسطى التي تحركهم في الشارع؟ ومن يتصل بأعضاء الإخوان للمشاركة في التظاهرات؟ ومن يطالبهم بالاستمرار في الاعتصامات؟
القيادات المنشقة عن جماعة «الإخوان» اتفقت في حديثها لـ«الأخبار» على أن اختيار محمود عزت مرشداً للجماعة «كارثة» ستقضي على ما تبقى من التنظيم. ورأى القيادي المنشق عن الجماعة، ثروت الخرباوي، أنّ اختيار عزّت هو بمثابة «التوقيع الأخير» على نهاية الجماعة؛ فهو رجل «إرهابي»، وخبير أسلحة ومفرقعات، وكان متهماً بقلب نظام الحكم وقتل عبد الناصر في عام 1965، وكان من أكثر الناس المدرّبين على التصويب واستعمال الأسلحة وتصنيع الأسلحة اليدوية، حسب الخرباوي، مضيفاً أن المرشد الجديد تربطه علاقات واسعة بالجماعات الجهادية والتكفيرية، ما سينهي الجماعة بشكل تام ويفقدها ما تبقى لها من تعاطف في الشارع.
وهو ما اتفق معه أيضاً القيادي المنشق عن الجماعة كمال الهلباوي، قائلاً لـ«الأخبار» إنّ قطاعاً كبيراً من الشباب يرفضون هذا النهج القطبي، نسبة الى منهج القيادي سيد قطب، الذي يتبناه عزت، وهو المنهج الذي يؤمن بالعنف والإرهاب، بحسبه، بينما يرى القيادي الاخواني السابق مختار نوح أنه «لم يعد هناك جماعة للاخوان المسلمين حتى يتولى عليها مرشد جديد».
لكن هل فعلاً ستنتهي الجماعة سياسياً بسبب القبض على مرشدها؟ سامح عيد، الباحث في شؤون الجماعات الاسلامية، وعضو جماعة الإخوان السابق، رأى في حديث لـ«الأخبار» أنّ جماعة الإخوان المسلمين تشكيل هرمي قمة في التماسك والسيطرة، يبدأ في ما يسمى بالأسرة، وهي تضم ما بين 5 أو 7 أفراد يرأسهم مسؤول. هؤلاء الأعضاء في الأسرة لا يحصلون على الأمر والتوجيه إلا من مسؤول الأسرة، الذي يحصل بدوره على الأمر من مسؤول شعبته، وصولاً إلى مسؤول المنطقة التابع لها، الذي يحصل هو الآخر على التكليف من مسؤول المكتب الإداري للمحافظة المنتمي إليها، والذي يحصل بدوره على الأوامر والتوجيهات والتكليفات من مكتب الإرشاد بالقاهرة.
ويرى عيد أن الحلقة الأهم في كل هذه الحلقات هي «المكتب الإداري»، الذي يعد حلقة الوصل بين أعضاء الجماعة وقياداتها في مكتب الإرشاد. ويعتقد أن مكتب الإرشاد يُتيح لمسؤولي المكاتب الإدارية مساحات من الحركة الجزئية في مثل تلك الظروف حسب تأمين أفراده في المحافظة.
ويتوقع عيد أن تشهد نهاية هذا الأسبوع انتهاء تحركات ومسيرات الإخوان في الشارع، خاصة مع تراجع عدد من الجماعات السلفية والمتعاطفين مع الإخوان بعد انتشار العنف والدم في التظاهرات الأخيرة. ويؤكد أن هناك أعضاء حركيين في الجماعة لم يلتزموا أخيراً بأوامر المشاركة في التحركات في الشارع،
ويعتبر عيد أنه في حالة غياب المكاتب الإدارية للإخوان في المحافظات ستصاب الجماعة بحالة من «الشلل التام». ويشير إلى أنه في تلك الحالة من الممكن أن تكون هناك تحركات فردية ونوعية كالسعي نحو التفجيرات أو اغتيال عدد من الشخصيات، التي يرى أعضاء التنظيم أنها كانت سبباً في تدميرهم. وهو ما يتفق معه الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية كمال حبيب، الذي يرى في حديث لـ«الأخبار» أنّ هناك العديد من حلقات التواصل داخل جماعة «الإخوان» والقرارات فيها تأتي من أعلى الى أسفل؛ فمكتب الإرشاد هو الجهة التي تضع خطط الجماعة واستراتيجيتها وتعطي الأوامر لتنفيذها وتعطيها للمكاتب الإدارية للمحافظات، التي يُكلّف بها مسؤولو الشعب إلى أن يصل الأمر إلى «الأخ» في أسرته الصغيرة.
ويرى حبيب أن اختفاء القادة الميدانيين للجماعة ومسؤولي القطاعات والمكاتب الإدارية فيها هو الأمر الذي سيفقد الجماعة توازنها وقدرتها على الحشد، متوقعاً أنّه مع حالات القبض، التي تتم بحق هؤلاء القادة الميدانيين الآن ستفقد الجماعة القدرة على الحشد، ولن يكون هناك حشد كما كان خلال الأيام الماضية.
ويبقى مستقبل الجماعة، حسب العديد من المراقبين، مرهوناً بما ستشهده الأيام القليلة القادمة، سواء في تعامل الأمن مع الجماعة، حيث يسعى حاليا إلى القبض على كل قيادات الجماعة. وقالت مصادر محلية لـ«الأخبار» إن هناك طلبات وجهت إلى المخافر بالقرى والنجوع تطالبهم بتقديم كشوف بأسماء من شاركوا في اعتصامات رابعة العدوية ونهضة مصر، بخلاف الحملة الأمنية الموسعة، التي تقودها وزارة الداخلية ضد قيادات الجماعة في كل أنحاء الجمهورية. كذلك، فإن مستقبل الجماعة مرهون بطريقة تعامل المرشد الجديد في الفترة مع الأحداث في الشارع.