نظراً لتجليات الأزمة الاقتصادية المتقاطعة مع أزمة سياسية وأمنية، نرى أن المضمون الاجتماعي للاقتصاد، يشكّل الأساس الموضوعي للمحافظة على التماسك الاجتماعي وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وبذات اللحظة يجعل الدولة والمجتمع قادرين على مقاومة التدخلات الخارجية.
لذا يتوجّب اتباع سياسات وآليات اقتصادية يمكن أن تساهم في الخروج من الأزمة، ومنها:
ــ القطع مع كافة السياسات الليبرالية والنيوليبرالية، والتوقف عن تحرير الاقتصاد والمال والأسواق والسلع والأسعار، ومراجعة السياسات الاقتصادية السابقة والراهنة.
ووضع برنامج اقتصادي تنموي استراتيجي يعتمد تطوير ودعم الإنتاج الزراعي والصناعي في إطار خطط تنموية مستدامة تساهم في تطوير القطاعات الإنتاجية ودعم المشاريع الزراعية الكبيرة وتطويرها، ذلك لتحقيق حلقات إنتاجية مترابطة بين الزراعة والصناعة (ضبط مداخل ومخارج الإنتاج في إطار خطط متكاملة).
ــ القطع مع سياسات مؤسستي النقد والبنك الدوليتين، لأنها لم ولن تساهم إلا في المزيد من التبعية والارتهان والفقر والتخلف للدول التي تعتمد عليهما، وهذا ما تثبته وتؤكده تجارب الدول المدينة التي ربطت اقتصادها ومصير شعوبها بهاتين المؤسستين.
ــ تمكين تحالفات اقتصادية عربية وإقليمية لتحقيق المزيد من التكامل، وتطوير التعاون مع مجموعة «بريكس» و«آسيان» ودول روسيا الاتحادية.
ــ تمكين دور مؤسسات الدولة البحثية المتخصصة لوضع خطط ومشاريع استثمارية تنموية تحافظ الدولة في سياق تنفيذها على دورها في: الإشراف والتوجيه والضبط لآليات اشتغال القطاع الخاص ضمن برنامج تنموي كلي.
ــ استعادة الدولة لدورها الرعائي والتدخلي الداعم للفئات الفقيرة والمتوسطة، والحفاظ على المكاسب التي حققتها الطبقة العاملة لأنها تشكّل الحاضن والحامل الأساس للدولة، ووضع دراسات فعلية ودورية لنسب التضخم، بموجبها يتم اعتماد سياسة ثابتة للأجور تقوم على سلم متحرك يتناسب مع غلاء المعيشة.
ــ وضع آليات لضبط حركة رأس المال وآليات اشتغاله في سياق خطط وسياسات اقتصادية كلّية تعمل على تدعيم التنمية الاقتصادية المستدامة.
ــ إعادة هيكلة قطاعات الدولة الإنتاجية لضمان إنتاجية متطورة ذات سمات مقارنة قادرة من خلالها على المنافسة في الأسواق الدولية.
ــ التوقف عن سياسة خصخصة القطاع العام، كونه يشكّل ضماناً لفئات واسعة من المجتمع السوري، وبذات اللحظة يضمن للدولة الدور المحدد في ضبط وتوجيه الاقتصاد الكلي والسياسات المالية والنقدية.
ــ مراجعة السياسات الضريبية المفروضة على الإنتاج والأرباح، واعتماد الضريبة التصاعدية على الأرباح وحركة رأس المال.
ــ إن تشجيع الاستثمار لا ينحصر فقط في خفض المعدلات الضريبية أو اتباع سياسات الإعفاء الضريبي، بل يستوجب توفّر مناخات سياسية مستقرة وبنى تحتية متطورة (إدارية مصرفية بشرية، شبكات طرق مطارات والموانئ...). ويجب التأكيد على ضرورة العمل على جذب الاستثمارات المنتجة وتوفير ما يلزم لها من تسهيلات ووضعها في سياق الخطط التنموية الوطنية الاستراتيجية لضمان تحقيق استراتيجية تنموية بشرية واقتصادية مستدامة. وبذات الوقت يجب الحد من توظيف الرساميل في أسواق المال والمضاربات، ووضع قيود ضريبية صارمة على حركة رأس المال المالي. إن المرسوم التشريعي رقم /8/ لعام 2007 المتعلق بتحفيز الاستثمار، يسمح بخروج رأس المال الأجنبي وأرباحه وفوائده سنوياً. وبما أن هذه القطاعات حساسةً لأي أزمة، فمن البديهي خروج الأموال التي دخلت سوريا خلال سنوات الانفتاح مضافاً إليها أرباحها. فإذا علمنا أن حجم الاستثمار الأجنبي المباشر الذي دخل سوريا خلال الفترة 2005 ــ 2010 قارب 7.9 مليارات دولار، فإنه خلال ذات الفترة خرج من سوريا 7.85 مليارات دولار. ومن المتوقع أن المصرف المركزي يسمح حتى اللحظة بخروج أرباح المصارف وشركات التأمين وشركات الاتصالات خارج سوريا، وهي تشكل طلباً هائلاً على القطع الأجنبي خارج القنوات الرسمية. إنّ حجم هذه الأموال يفوق حجم الاحتياطي الذي بقي شبه ثابت لسنوات طويلة، لذا يجب إعادة النظر بهيكلية الاحتياطي ليكون منسجماً مع حجم المستوردات وتدفقات رأس المال.
ــ إشراف الحكومة على إعادة توزيع عوائد التنمية بين الفئات الاجتماعية عبر سياسات ضريبية عادلة ومتوازنة تتيح للخزينة تمويل الخدمات التي تستهدف الفئات الأقل دخلاً (تعليم مجاني متطور، ضمان اجتماعي وصحي، تنمية المناطق المتخلفة، استهداف بؤر الفقر، تمكين المرأة من حقوقها)، إضافة لكل هذا يجب التأكيد على ضرورة رفع وترشيد الإنفاق العام.
ــ توجيه الاهتمام لتطوير رأس المال البشري، من خلال وضع خطط من أجل التنمية البشرية حتى تواكب وتساهم في تطوير البنى الاقتصادية والمعرفية.
مسألة إعادة الاعمار
في ما يخص إعادة الإعمار، يجب أن يكون بمفاعيل وطنية، وفي سياق ربط إعادة الإعمار بمشروع تنمية متكامل مع دول المشرق العربي وإيران ومجموعة «البريكس» بعيداً عن المؤسسات المالية الدولية التي تريد من إعادة الإعمار فرض شروطها الاستثمارية على القرار الوطني، واستنزاف المقدرات الوطنية بقروض تحد من التنمية الوطنية وتربط عجلة الاقتصاد الوطني بها. إضافة إلى تحميل الدول التي اعتدت على سوريا مسؤولية التعويض.
ــ المحافظة على ملكية الدولة وعلى إداراتها للمرافق الحيوية والإستراتيجية (مرافئ، مطارات، قطاعات الكهرباء والمياه).
ــ تنشيط الطلب المحلي من خلال السياسات مالية ونقدية جدية وفاعلة.
ــ دعم الصادرات، وربط استيراد المواد الغذائية والأساسية التي تخص معيشة المواطن بالجهات الحكومية، تحديداً في ظل الأزمة الراهنة، وكذلك يجب أن تتدخل الجهات الحكومية ذات الصلة، في استيراد المواد الأولية للصناعات الوطنية.
ــ إعادة النظر في بعض بنود اتفاقيات التجارة الحرة، بما يتناسب وتطوير الإنتاج الوطني.
ــ تحسين كفاءة إدارة القطع الأجنبي.
أمن غذائي وبؤر الفقر
ومن السياسات الواجب اتباعها، ضمان الأمن الغذائي عن طريق دعم قطاع الزراعة والثروة الحيوانية، والاستمرار في تنفيذ المشاريع المائية والإنمائية (السدود، مصانع الأسمدة والأعلاف، وإكثار البذار) ومنح التسهيلات لمشاركة القطاع الخاص في إقامة المشاريع الصناعية.
ــ زيادة حجم الموازنات الاستثمارية وتوجيهها نحو المشاريع الكبرى والحيوية والإستراتيجية.
ــ وضع خطة شاملة لتجفيف بؤر الفقر وخلق فرص عمل جديدة يمكنها استيعاب الأعداد المتزايدة من الوافدين لسوق العمل، والتي تقارب في بعض التقديرات (380 ألف طالب لفرصة عمل سنوياً) وتمكين التعاون من أجل تحقيق ذلك مع المجتمعات المحلية والأهلية.
ــ تنمية المناطق الشرقية كونها تشكّل خزاناً بشرياً ومصدراً للثروات الزراعية والاستخراجية، واستثمارها الإيجابي يحقق إسهاماً مهماً في التنمية الاقتصادية الكلية.
ــ تطوير الأرياف وتخديمها من أجل إيقاف النزيف البشري إلى المدن، نظراً لخطورة هجرة الأراضي الزراعية وتحوّل مالكيها إلى عاطلين عن العمل في أحزمة الفقر حول المدن الكبرى. وتجلت هذه الظواهر نتيجة لسياسات التحرير التي تجلت نتائجها في ارتفاع أسعار المحروقات والأسمدة والمواد الأولية وانخفاض معدلات دعم المزارعين، إضافة إلى الجفاف وانخفاض منسوب المياه واتساع رقعة التصحّر.
ــ العمل على استثمار الطاقات المتجددة والبديلة (الريحية الشمسية والمخلفات الحيوانية) وتأمين احتياجات الزراعة والصناعة من حوامل الطاقة بأسعار مناسبة.
ــ تحفيز القطاع الخاص المنتج على المساهمة في عملية التنمية. والاهتمام بالشركات الصغيرة والمتوسطة، وبالمصانع الصغيرة والورش والحرف... ومساعدتها على تأمين مستلزمات الإنتاج من مواد أولية وطاقة، وتسهيل حصولها على القروض المصرفية، وإعفاء بعضها من الرسوم والضرائب عند توفيرها لفرص عمل محددة.




تدعيم القطاع العام بالتعاون مع الخاص

إنّ زيادة استثمارات الحكومة في القطاع العام، والتعاون مع القطاع الخاص لتوفير فرص عمل جديدة، وتقديم التسهيلات المصرفية للمهنيين والحرفيين الشباب، ودعم الزراعة تشكل أحد أهم الحلول. تساهم في الحد من تفشي البطالة وخاصة في أوساط الشباب وتحديداً المتخرجين. ــ توجيه القطاع المصرفي الخاص للمساهمة في خطط التنمية.
ــ شمل قطاعات اقتصاد الظل في الاقتصاد المرخّص، كونه يساهم ببنيته الحالية في تشويه الاقتصاد الوطني. ومن المعلوم أنه يشكّل حوالى 40% من الاقتصاد الوطني، لكنه بذات اللحظة لا يوفر أية ضمانات للعمال، ويحرمهم من كافة حقوقهم، وزيادة على ذلك لا يلتزم بمعدل الحد الأدنى للأجور الذي أقرته الدولة، ويلزم العمال بتوقيع عقود الذل والإذعان.
ونذكّر أنه في حال خفض ساعات العمل في قطاع الظل إلى (8 ساعات عمل يومية) فإنه يوفر قرابة مليون فرصة عمل جديدة (كان هذا صحيحاً قبل الأزمة التي طالت تداعياتها تدمير عشرات الآلاف من الورش والحرف والمنشآت والمصانع الصغيرة والمتوسطة).
ــ تحرير المنظمات الشعبية والاتحادات والنقابات المهنية من وصاية السلطة والهيمنة الحزبية والأمنية، وتوفير شروط عمل حر مستقل.
ــ وضع خطط شاملة وحقيقية لمكافحة الفساد بكافة أشكاله وتجلياته لأنه يهدد بتفتيت النسيج الاجتماعي، ويعطل تنفيذ الخطط التنموية ويحبط آمال الجماهير الشعبية.
ــ تمكين المرأة من حقوقها وتوظيف طاقاتها في التنمية الاجتماعية وتذليل العقبات التي تمنعها من ذلك، وتوفير السبل الكفيلة بتحقيق مشاركة واسعة للشباب في جميع ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية.
ــ تطوير السياحة الثقافية والدينية والعلاجية.
ــ إن المشاركة الشعبية الديمقراطية شرط أساسي وجوهري لكل توجه تنموي حقيقي، لأن نظريات التنمية القائمة على الرؤية الاقتصادية الرقمية البحتة فشلت في تحقيق العدالة الاجتماعية.