تونس - بعد لقاء دام ساعتين ونصف ساعة مع رئيس الاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي، جاءت موافقة زعيم حركة النهضة الاسلامية في تونس راشد الغنوشي على المطلب الأساسي للمعارضة بحل الحكومة وتعويضها بحكومة إنقاذ وطني، ملتبسة ومترددة.
وفي الوقت الذي كانت فيه الطبقة السياسية تعتقد أن عدم موافقة «النهضة» على مطلب المعارضة الأساسي في انتظار حسم مطلب حل المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) سيدفع بالحوار الوطني نحو الحل، سارعت الحركة الاسلامية، التي تشكّل أساس الترويكا الحاكمة، إلى اصدار بيانٍ رسمي قللت فيه من مبدأ الموافقة واعتبرت «أنها وافقت ليس على حل الحكومة، بل على بدء الحوار الوطني»، بما يعني العودة الى نقطة الصفر.
بيان حركة النهضة وتصريحات قياداتها التي أعقبت لقاء الغنوشي ــ العباسي اعتبرتها الأحزاب السياسية دليلاً آخر على أن «النهضة» غير جادة في الوصول الى أي توافق سياسي، فهي تعلن عن الرأي ونقيضه.
وفي سياق متصل سارعت جبهة الإنقاذ الوطني الى إصدار بيان أعلنت بموجبه انها ترفض أي حوار مع «النهضة» قبل الإعلان عن استقالة الحكومة.
في الحقيقة هذا الموقف لم يكن موقف جبهة الإنقاذ فقط، بل معظم الطيف السياسي التونسي، إذ تجمع القوى السياسية اليوم على أن حركة النهضة تسعى لربح الوقت.
وقد جاء البيان الصادر أمس عن الغنوشي بعد دقائق من انتهاء لقائه مع «زعيم الشغالين» ليؤكد عدم جدية الحركة في البحث عن حلول للأزمة السياسية الخانقة التي تعصف بالبلاد بعد أن نسف بيان الحركة ما تم التوافق عليه في لقاء الغنوشي ــ العباسي.
أما أحزاب المعارضة المنخرطة في جبهة الإنقاذ الوطني فقد دعت أمس الى مواصلة التعبئة لإسقاط حكومة النهضة وحليفها الصغير حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» الذي يقوده الرئيس محمد المنصف المرزوقي، شرفياً.
وأعلنت «الإنقاذ» أن يوم غد السبت ٢٤ آب سيكون موعد انطلاق المعركة الكبرى لإطاحة حكومة «الاغتيالات» التي تقودها حركة النهضة.
ومثّل بيان «النهضة» يوم أمس خيبة كبيرة لكل الذين راهنوا على الحوار معها. واعتبرت أحزاب المعارضة بعد بيان «النهضة» أن «الحزب المهيمن على الحكم» غير جاد في إيجاد حلول للأزمة السياسية الخانقة في البلاد بعد أن اعلن حليف «النهضة» في الحكم حزب «المؤتمر» رفضه التوافقات التي قبلت بها الحركة في علاقتها بالاتحاد العام التونسي للشغل.
وقد أكد الأمين العام لحزب «المؤتمر» عماد الدائمي، أن حركة النهضة لم توافق على رحيل الحكومة، بل على بدء الحوار فقط، وهو ما رفضته قيادات الاتحاد العام للشغل. إذ اكد الكاتب العام لنقابة الثقافة والإعلام نبيل جمور لـ«الأخبار» أن الشيخ الغنوشي وافق على مبادرة الاتحاد العام للشغل بلا شروط، وان كل ما سجل في ما بعد من تراجعات ليس أكثر من مناورات لإقناع القواعد والأنصار. الواضح أن حركة النهضة بعد الأزمة التي أطاحت حلفاءها في مصر وتنامي الغضب الشعبي ضدها في تونس تسعى الى ربح الوقت، لكنها لا يمكن أن تتجاهل الجبهة الواسعة التي تشكّلت ضدها والتي لم يغب عنها أحد حتى حليفها الثاني في الحكومة حزب «التكتل من أجل العمل والحريات» الذي التحق بمبادرة الاتحاد العام للشغل وعلّق رئيسه الذي يرأس أيضاً المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر، أشغال المجلس (البرلمان) قبل أن تكشف أول من أمس قوات الأمن المكلفة بحراسة بيته في ضاحية المرسى القريبة من تونس العاصمة عن محاولة اغتياله أو السطو على بيته عندما كان غائباً.
هذه المعطيات لم تغب عن الرئيس المؤقت المرزوقي الذي سارع الى إجراء تعديلات وترقيات وتعيينات في المؤسسة العسكرية، والتي كانت الى وقت قريب بعيدة عن التجاذبات السياسية قبل أن تصبح أخبارها متداولة في المقاهي والحانات.
لعل هذا من بين مظاهر فشل نظام الترويكا في المحافظة على سرية الأجهزة الأمنية والعسكرية، فقد فسّر عدد كبير من الناشطين السياسيين هذه التعيينات برغبة المرزوقي المجنونة في وضع يده على المؤسسة العسكرية حتى يمنع ظهور «سيسي» تونسي، في ظل أزمة مصر التي يقودها الآن وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي.
لكن رغبة المرزوقي يبدو أنها تتعارض تماماً مع تقاليد المؤسسة العسكرية التونسية التي عُرِفت باستقلاليتها وابتعادها عن التجاذب السياسي وقد تكون رغبة المرزوقي وهو القائد العام للقوات المسلحة التونسية، باعتباره رئيساً للجمهورية، تعطي نتائج عكسية في ظل استهجان الشارع السياسي للتدخل المفضوح الذي قام به في شأن المؤسسة العسكرية التي كانت الى حدود ١٤ يناير ٢٠١١ بعيدة تماماً عن الأضواء.