القاهرة - بعد أقل من ثلاثة أعوام على ثورة «25 يناير»، التي انتفض فيها المصريون ضدّ ظلم عشيرة آل مبارك الحاكمة، خرج الرئيس المخلوع حسني مبارك الى الحرية أمس، حيث نُقل بطائرة عسكرية من سجنه في طرة إلى مستشفى المعادي العسكري، مقر إقامتة الجبرية، بعد إخلاء سبيله في آخر قضية كان يسجن على ذمتها احتياطياً، المسماه قضية هدايا جريدة الأهرام. وتسلّمت إدارة مصلحة السجون خطابا من النيابة العامة بإخلاء سبيل مبارك، وأنه غير مطلوب على ذمة قضايا أخرى.
قرار أثار موجه قوية من الاستياء بين الأوساط السياسية والشبابية منها على وجه الخصوص، حاول رئيس الوزراء حازم الببلاوي، بصفته نائب الحاكم العسكري للبلاد، احتواءها بإصدار قرار، بوضع مبارك قيد الإقامة الجبرية في إطار إجراءات الطوارئ المفروضة لمدة شهر.
وكثفت قوات الأمن من تواجدها أمس أمام السجن، ومستشفى المعادي، لتأمين السجن والمستشفى الذي سيرقد فيه مبارك، مخلى سبيله هذه المرة بعد 28 شهراً قضاها في الحبس، تنقل خلالها بين سجن طرة ومستشفى المركز الطبي العالمي ومستشفى المعادي العسكري نظراً لظروف حالته الصحية.
أمام سجن طرة، جنوب القاهرة، تجمّع العشرات من أنصار مبارك، يحملون أعلاماً مصرية، ويوزعون الحلويات على بعضهم البعض، وسط تعزيز القوات الأمنية من تواجدها أمام السجن، الذي يحوي بداخله عددا من رموز نظام مبارك وقيادات جماعة الإخوان المسلمين في الوقت نفسه. أنصار الرئيس المخلوع، حملوا صوراً لوزير الدفاع الفريق عبدالفتاح السيسي، ولجمال عبدالناصر، ومحمد أنور السادات إلى جانب صورة كبيرة لمبارك نفسه، وظلوا يتغنوا باسم مبارك، ويصفقون، ويرقصون، بينما كانت النساء يحتفلن بالزغاريد.
في حدود الثانية من ساعات الظهيرة، صعدت طائرة مروحية من داخل سجن طرة وفيها مبارك، هتف الحضور أمام السجن «أهوه أهوه رئيسنا وحبيبنا أهوه»، بينما الجميع ينظرون إلى السماء حيث الطائرة تمر من فوقهم.
أنصار مبارك حتى هذه اللحظة يرون أن ما حدث في «25 يناير» كان «هوجة»، وأن مبارك تعرض لظلم كبير من الإعلام، وأن الرجل كان وطنيا وعمل كثيرا لأجل هذا البلد. «يكفيه أنه لم يفعل ما فعله الإخوان بمصر الآن»، قالها أحد مؤيدي مبارك، مضيفاً أنه ترك عمله اليوم وجاء منذ الصباح يحتفل ببراءة «الزعيم». وشدد على أنه لا ينتمي إلى أي حزب ولم يكن له أي علاقة بالحزب الوطني، حزب مبارك: «أنا حضرت هنا لأني أعرف الظلم الذي تعرض له هذا البطل».
ويتعامل أنصار مبارك على أن قرار إخلاء سبيله هو حكم بالبراءة، وهو ما ينفيه المستشار صابر غلاب، رئيس محكمة جنايات السويس، الذي يؤكد على أن إخلاء السبيل لا يعني التبرئة، التي يحصل عليها المتهم بموجب حكم قضائي بعد أن تكون المحاكمة قد استوفت كل شروطها. أما إخلاء السبيل فهو إجراء من الإجراءات القانونية، و«لا يمنع المحكمة نهائيا من إصدار حكم بالإدانة واجب النفاذ حتى وإن كان المتهم مخلى السبيل طوال جلسات المحاكمة».
ولا يزال مبارك يحاكم في قضية قتل المتظاهرين، خلال أحداث ثورة «25 يناير»، المتهم معه فيها حبيب العادلي، وزير الداخلية الأسبق، و6 من كبار مساعديه السابقين. ويحاكم كذلك في قضية قصور الرئاسة التي بدأت محاكمته فيها قبل يومين، ومتهم فيها معه ابناه جمال وعلاء. وهناك تحقيقات لا تزال تجري معه هو وآخرين في قضيتين إحداهما تخص اتهامه بتحقيق كسب غير مشروع، والثانية هي قضية هدايا الأهرام التي صدر فيها قرار إخلاء سبيله الأربعاء الماضي.
وكانت حركات شبابية وثورية قد دعت إلى التظاهر اليوم أمام مكتب النائب العام اعتراضا على قرار الإفراج عن حسني مبارك، لكن بعد قرار نائب الحاكم العسكري بوضعه في قيد الإقامة الجبرية قررت تلك الحركات إلغاء الوقفه الاحتجاجية. من جهتها، اعتبرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جين بساكي، أن قرار إخلاء سبيل مبارك يعتبر شأناً قانونياً داخلياً. وقالت «لطالما قلنا أن ما يتعلق بمبارك هو شأن قانوني مصري داخلي، ويتم التعامل مع الموضوع عبر النظام القانوني هناك، وفي ما عدا ذلك تترك الإجابات إلى الحكومة المصرية». وبشأن وجود الرئيس المعزول محمد مرسي بالسجن، قالت «لطالما عبرنا عن موقفنا بشأن مرسي وهو لم يتغير». في غضون ذلك، يواصل الأمين العام المساعد للأمم المتحدة للشؤون السياسية، جيفري فيلتمان، لقاءاته في القاهرة للقاء الأفرقاء والمسؤولين في الإدارة الانتقالية من اجل الدفع نحو الحوار والمصالحة. ونقل مدير مركز أندلس لدراسات التسامح، أحمد سميح، عن فيلتمان، أن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، تلقى اتصالات هاتفية من عدد من رؤساء الدول، لم يسمها، طالبته بوصف ما حدث في مصر يوم «3 يوليو» بأنه «انقلاب عسكري»، في حين تلقى اتصالات من رؤساء دول أخرى تطالبه بعدم تسمية ما حدث بـ«الانقلاب».
وقال سميح: «سألت فيلتمان عن جلسة مجلس الأمن، ودور الأمم المتحدة فيها»، فرد قائلًا: «الدول الأعضاء هي التي طلبت من الأمين العام عقد جلسة بشأن مصر».
وقالت مصادر إن فيلتمان رفض بشكل شخصي مطالب بعض الدول بسرعة إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، قائلًا على هامش اللقاء: «أنا شخصيا أرى أن الدعوة لانتخابات مبكرة دعوة غير جيدة، ويمكن تحقيق ذلك بعد مرور 6 شهور على الأقل». وجاء حديث فيلتمان خلال لقائه بممثلي 11 منظمة حقوقية.
إلى ذلك، واصل مستشار الرئيس الإعلامي محمد المسلماني لقاءاته مع الفرقاء السياسيين، من أجل استبيان رؤاهم لحل الأزمة، وايجاد سبل للمصالحة الوطنية. وهي المهمة التي كلفها به الرئيس المؤقت عدلي منصور. ويبدو أن المسلماني لن يلتقي أحدا من قيادات جماعة «الإخوان المسلمين»، بما أن أغلبهم هارب أو معتقل أو ملاحق أو قُتل!