مفارقة عنصرية من العيار الثقيل!! لا نفتري او نأتي بجديد حين نقول ان لبنان بلد التظاهرات والاعتصامات وقطع الطرقات بامتياز. لدرجة انه حتى لو حصل سوء فهم بين زوجين حول قضية ما، سيخرج احدهما الى الشارع لقطعه بالدواليب والاطارات المشتعلة... ولا ضير في ذلك ما دام القانون يعطي المواطنين حق التظاهر والتعبير عن النفس بطريقة ديمقراطية بعيدة عن «التكسير» والتخريب، وبعد الحصول على اذن مسبق من وزارة الداخلية، بصفتها الوزارة المعنية بالامر.
اللافت ان غالبية التظاهرات التي تخرج في المناطق اللبنانية المختلفة، غالباً ما تكون دون ترخيص او اذن مسبق، وتستخدم فيها طرائق غير ديمقراطية ولاحضارية. وعلى الرغم من ذلك فانها تمر مرور الكرام دون سؤال او مساءلة.
بالامس القريب قامت جهات فلسطينية بمحاولات عدة لاستصدار ترخيص من اجل القيام باعتصام امام المقر الرئيس لوكالة الاونروا في بيروت. وذلك احتجاجاً على تقليص خدمات الوكالة عن ابناء مخيم نهرالبارد المنكوب ولإلغاء حالة الطوارئ. هذا برغم ان «النكبة» ما زالت قائمة ومستمرة وبوتيرة اكبر مما سبق، لا سيما في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية الضاغطة، والتي تُنذر بانفجار كبير. انفجار لو حصل لا سمح الله، فانه سيتسبب بكارثة حقيقية وسيحرق الاخضر قبل اليابس.
غير أن الطلب قوبل بالرفض من الجهات اللبنانية الرسمية تحت مسمّى ان الاوضاع الامنيّة لا تسمح بذلك.
نعلم انه من حق الدولة اللبنانية ووزارتها المختصّة ان توافق على، او ترفض اقامة مظاهرة او اعتصام او ما شابه على اراضيها بسبب او بدون سبب. ولكننا نعرف ايضاً اننا من بني البشر! ويحق لنا ان نعبّر عن آرائنا وان نُخرج غضبنا المحتقن في القلوب والنفوس رفضاً لقرارات جائرة. قرارات لو جرى تنفيذها فانها ستتسبب بكارثة انسانية واجتماعية وستلقي بظلالها الاليمة والمقيتة على الواقع المجتمعي للمخيمات الفلسطينية التي يتم دفع ابنائها دفعاً للخروج على القانون.
الاعتصام المزمع اقامته ليس موجهاً ضد الدولة اللبنانية وقراراتها التعسفية التي يُمنع بموجبها الفلسطيني من مزاولة اكثر من ٧٠ مهنة، ولا هو موجّه ضد القرار الظالم بمنع الفلسطينيين من حق تملّك شقة سكنية يلوذ بها وعائلته ويؤمّن فيها على اولاده من بعده. الاعتصام ليس ضد العنصرية التي يمارسها البعض اللبناني بأبشع صورها، بل هو موجّه ضد مؤامرة حقيقية يتعرّض لها اللاجئون الفلسطينيون وتقضي بخفض ممنهج لتقديمات «الاونروا» تمهيداً لإنهاء خدماتها. قد لا يتنبه البعض اللبناني لخطورة هذا الامر على لبنان اذا ما تم فعلاً. فمن الناحية الاقتصادية سيُحرم لبنان من عشرات ملايين الدولارات التي تُصرف فيه سنوياً ما بين اجور موظفين وتكاليف تعليم وايجار مبانٍ واثمان مواد تموينية و«اعاشات» وقرطاسيّة الخ. هذا بالاضافة الى «رفد» لبنان بآلاف العاطلين الجدد من العمل! وهذا بحد ذاته خطر كبير على الاستقرار، خاصة وان البطالة والفقر مستشريان في ربوع لبنان مما يزيد «الطين بلّة». كل هذا يعني ان هناك تلاقياً في المصالح بين الحكومة اللبنانية والفلسطينيين لوقف تنفيذ هذه القرارات الجائرة، وهذا بدوره يطرح سؤالا هاما: هل الدولة اللبنانية او بعضها شريك بالمؤامرة؟ ام ان المنع مجرد عنصرية ضد الفلسطيني في بلد الحرّية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية؟