رغم أنّ أيّ جهة أممية أو أميركية رسمية لم تحسم حتى الآن الجهة التي تقف وراء الصواريخ الكيميائية التي أطلقت على الغوطة الشرقية لدمشق، بادرت إسرائيل إلى الدفع نحو توجيه ضربة أميركية لسوريا، مقرونةً بتحذيرات واستعدادات لمواجهة كافة السيناريوات، وذلك إضافة إلى الدعوة إلى استغلال الظروف الحالية من أجل التخلص من النظام الحالي، وإخراج الأسلحة الكيميائية التي تملكها دمشق.
بدت إسرائيل كما لو أنها عشية هجوم أميركي ضد سوريا، من دون تفويض من مجلس الأمن. وبحسب تقارير إعلامية إسرائيلية، أصدر المستوى السياسي في تل أبيب تعليماته للجيش بالاستعداد لكافة السيناريوات المحتملة، تزامن ذلك مع الحديث عن محادثة هاتفية بين رئيس أركان الجيوش الأميركية مارتين دمبسي مع نظيره الإسرائيلي بني غانتس.
أما لجهة طبيعة الضربة الأميركية المفترضة وحجمها، ذكر موقع «واللا» العبري أنّهم في إسرائيل يقدّرون أنّ الأميركيين لا ينوون توجيه ضربات تؤدي إلى انهيار النظام بل الى كبحه. وفي ضوء ذلك قد لا يكون الرئيس السوري بشار الأسد مضطراً إلى «تكسير الأدوات»، عبر مهاجمة إسرائيل وتعريض نظامه لخطر السقوط.
وبالرغم من أنّ احتمال مهاجمة الأسد لإسرائيل منخفض، وفق سيناريو ضربات محدودة ومحددة، كما ترى جهات إسرائيلية، وجّه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تحذيراً إلى الرئيس الأسد بالقول إنّ «إصبعنا في حال الضرورة يمكن أن ينتقل أيضاً إلى الزناد». وأضاف أنّ إسرائيل «ستعرف كيف تدافع عن نفسها وعن مواطنيها في وجه من يحاولون مهاجمتها». واتهم نتنياهو دمشق باستخدام الأسلحة الكيميائية، ورأى أنّ إسرائيل يمكن أن تستخلص من الواقع الحالي ثلاثة استنتاجات؛ الأول أنّه «لا يجوز السماح باستمرار الوضع الحالي، والثاني هو أنه يمنع أن تتوافر للأنظمة الخطيرة جداً في العالم أسلحة خطيرة، أما الاستنتاج الثالث فهو أن علينا أن نتذكر المبدأ القديم القائل: «إن لم نكن نحن لأنفسنا فمن لنا».
وبهدف تنسيق الحملة الإعلامية وفق برنامج وإيقاع موحد، وجّهت هيئة الدعاية الوطنية في مكتب نتنياهو تعليمات للوزراء مفادها أنه ينبغي تنسيق أي مقابلة تتعلق بالمسألة السورية، مع الهيئة، وعدم إطلاق تصريحات بدون تنسيق مسبق.
إلى ذلك، رأى الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في الأوضاع الحالية «فرصة لإسقاط نظام الأسد»، مغلفاً ذلك بالبعد الإنساني تحت شعار عدم إمكان البقاء لامبالين أمام ما يجري في سوريا من قتل. وخلال لقائه مع وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، رأى أنّ الوقت حان «لبذل جهود دولية من أجل إخراج كل السلاح الكيميائي من سوريا»، مقرّاً في الوقت نفسه بأنّ هذا الأمر معقد جداً، ومشيراً إلى الخطورة الكبيرة الكامنة في بقائه هناك.
ورأى وزير الدفاع موشيه يعلون، خلال لقائه مع فابيوس، أنّ «نظام الأسد هو نظام غير تقليدي ويستخدم أسلحة غير تقليدية»، مضيفاً «إننا نواجه العديد من التحديات»، ومعرباً عن أمله بأن تعمل إسرائيل وفرنسا معاً لمواجهتها.
في السياق نفسه، استبعد وزير الشؤون الاستراتيجية والاستخبارية، يوفال شتاينيتس، لإذاعة الجيش، احتمال أن تشنّ سوريا هجوماً صاروخياً ضد إسرائيل في حال نفذت الولايات المتحدة تهديداتها بمهاجمتها، لكنه رأى أنه «في جميع الأحوال علينا أن نكون مستعدين من الناحية الهجومية ومن الناحية الدفاعية». كذلك أكّد أنّه «في حال شن هجوم أميركي فإنه سيتم إخطار إسرائيل مسبقاً».
أما وزير الطاقة والمياه سيلفان شالوم، فقد شدد على أنّ إسرائيل ستعمل إذا تبيّن أن أسلحة الدمار الشامل التي تملكها سوريا تنقل إلى جهات غير مسؤولة، كاشفاً عن أنّ الأجهزة الأمنية اتخذت خلال السنتين الماضيتين كافة الاستعدادات لمواجهة السيناريوات المحتملة. وتعقيباً على ما نشرته صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية حول مشاركة قوات خاصة إسرائيلية في عمليات إلى جانب قوات أردنية في جنوب سوريا، رأى شالوم أنّ ما من ضرورة للتعقيب على أي نبأ من نسج الخيال. من جهتها، نفت وزيرة القضاء تسيبي ليفني أن تكون إسرائيل تقوم بأي نشاط في سوريا، مؤكدة خلال مقابلة إذاعية أنّ أي تدخّل في سوريا يعد قراراً دراماتيكياً من اختصاص الرئيس الأميركي باراك أوباما. لكنها رأت، في الوقت نفسه، أنّ امتناع دول الغرب عن القيام بأي عملية عسكرية في سوريا يمثّل رسالة للجهات المتطرفة التي تنشط في المنطقة.
هذا في وقت نقل موقع «واللا» العبري عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها «ثمة احتمال ضئيل أن يحاول الأسد إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل في حال هجوم أميركي في سوريا، لكن على إسرائيل أن تكون مستعدة لسيناريو كهذا».
كذلك كشفت تقارير إعلامية إسرائيلية عن أنّه بالرغم من عدم اتخاذ قرار بتدخّل عسكري مباشر في سوريا، بدأت طواقم من واشنطن بلورة خطط عسكرية محتملة، تتضمن أهدافاً تتعلق بالنظام من أجل قصفها. وبحسب معلق الشؤون العسكرية في موقع «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، نقلاً عن مصدر عسكري رفيع في الجيش، عندما تتوافر الأدلة (على استخدام النظام أسلحة كيميائية) يقدرون في إسرائيل أن الولايات المتحدة ستعمل حتى لو لم يتخذ مجلس الأمن قراراً في هذا الشأن.
من جهتها، ذكرت صحيفة «هآرتس» أنّ تقديرات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي ترجّح أن يقوم الرئيس أوباما يتوجيه ضربة عقابية محدودة لسوريا، تستند بشكل أساسي إلى تعاظم الضغوط التي يتعرض لها أوباما. ولفتت الصحيفة إلى أنّ لجوء الولايات المتحدة إلى خيار عسكري ضد سوريا سيفرض على إسرائيل رفع منسوب الحذر والاستعداد العسكري على الجبهة الشمالية وفي الجبهة الداخلية.