برلين | يجد الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسه في موقف حرج الآن بعد التقارير الأخيرة عن استخدام سلاح كيميائي ضد المدنيين والصور المتداولة، والتي تُظهر مقتل عدد كبير من الأطفال. فأوباما كان قد أعلن أنّ استخدام هذا النوع من الأسلحة يعني تجاوزاً للخط الأحمر، وبالتالي أصبح مُجبراً على التحرك للإيفاء بتعهداته، وإلا فإن صدقيته ستكون على المحك. من جهة أخرى، تحضّ لندن وباريس الرئيس الأميركي على التحرك تحت شعار حماية المدنيين، وتبدي العاصمتان الأوروبيتان حماسة شديدة نحو المشاركة في عملية عسكرية لمعاقبة النظام في دمشق وتعديل موازين القوى على الأرض بمساعدة أطلسية مباشرة هذه المرة.
وتريد واشنطن قبل شن عملية من هذا النوع التأكد من تحقيق هدفين؛ أولاً، إضعاف قدرات النظام السوري ومعاقبته على استخدام الأسلحة الكيميائية، وكذلك التأكد من عدم تورط أميركا في حرب جديدة. لذا فإن أي عمل عسكري يقتضي مُسبقاً عدم تدخل قوات برية. فحكومة واشنطن تتنفس الصعداء لاقتراب انتهاء مهمتها في أفغانستان بعد الخسائر والخيبات الكبيرة التي حصدتها هناك وفي العراق. وأي عملية انتشار لقوات برية في حرب جديدة تعني المزيد من التكاليف البشرية والمادية، خاصة أن بعض أجنحة المعارضة السورية المسلحة تعتبر معادية للولايات المتحدة.
لذا فإن السيناريو المحتمل للضربة العسكرية، حسبما ترى مصادر حكومية أميركية، سيكون عبارة عن هجمات بصواريخ «توماهوك» الموجهة والقادرة على ضرب أهدافها من على بعد 2500 كيلومتر، والتي سبق أن استخدمت قبل عامين في الهجوم على ليبيا، أو يمكن توجيه ضربات جوية من الطائرات الأميركية الموجودة في قاعدة «إنجرليك» الجوية في تركيا على بعد 100 كيلومتر من الحدود السورية، أو من الأردن حيث توجد طائرات أميركية مقاتلة، أو ربما يكون الهجوم مزيجاً من الهجمات الصاروخية والجوية معاً.
أما عن طبيعة الأهداف المُرشّحة للهجوم، فتفيد المصادر أن بنك الأهداف يتضمن بداية مصانع الأسلحة الكيميائية ومستودعاتها، إضافة إلى مواقع ومنشآت ومطارات عسكرية ومبان حكومية، وربما بعض قطعات الجيش.
وتركز المصادر على أنّ الهدف من ضرب المصانع الكيميائية ومستودعاتها هو تدمير المخزون السوري لمنع دمشق من استخدامه أو تهريبه إلى حزب الله اللبناني. وتؤكد أن الرئيس الأميركي يريد عملية محدودة جغرافياً وزمانياً، ولا يكون الهدف منها بأي حال من الأحوال إطاحة حكم الرئيس بشار الأسد، بل الاكتفاء بإضعافه.
وللتباحث في هذا الشأن أجرى الرئيس الأميركي سلسلة اتصالات شملت الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي قطع إجازته الصيفية، وبدأ بإجراء مشاورات حول دعوة أعضاء البرلمان أيضاً لقطع إجازاتهم وعقد جلسة للبرلمان لمنح تفويض للحكومة بالقيام بعمل عسكري ضد سوريا، تبين أن عقدها غير ضروري لأن الضربة تحظى بتأييد الحزبين الرئيسيين في مجلس العموم البريطاني.
وتلقى كاميرون تأييداً لشن هجوم على سوريا من الرئيس السابق لحزب الديموقراطيين الأحرار، بادي اشداون، الذي أعلن أنه عادة يكره التدخل من دون تفويض أممي، لكنه هذه المرة يؤيد عملاً سريعاً وقاسياً ومحدّداً، ما يشير إلى أن التدخل سيحصل من دون تفويض أممي، لأن روسيا والصين لن توافقا على منح تفويض من هذا النوع.
ولهذا لم يستبعد وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ إمكان توجيه ضربة لسوريا من دون العودة الى مجلس الأمن الدولي.

باريس: المشاورات تخطّت مرحلة القرار

في حديث إلى «الأخبار»، يؤكد مصدر مُقرّب من وزارة الدفاع الفرنسية، طلب عدم ذكر اسمه، أن المشاورات تخطّت مرحلة القرار بتوجيه ضربة، وهي تدور الآن حول حجم العملية وطبيعة الأهداف التي يجب أن تحققها.
ويضيف المصدر أن الهدف الرئيسي هو الأسلحة الكيميائية وكيفية منع النظام من استخدامها مستقبلاً عبر عملية عسكرية تكون بمثابة تدخل جراحي.
ورداً على سؤال «الأخبار»، لم يستبعد إمكان استهداف سلاح الجو السوري، مشيراً إلى أن المعارضة المُسلّحة قد تستفيد من الهجوم المُنتظر. لكن ليس هذا هو الهدف الرئيسي للعملية التي ستشن خلال الأيام المقبلة حسب قوله. وكشف لـ«الأخبار» أن سبب الاندفاعة الفرنسية والبريطانية يعود إلى حصول أجهزة استخبارات البلدين على معلومات دقيقة ومُفصّلة حول مسؤولية النظام عن الهجوم بالأسلحة الكيميائية في غوطة دمشق، مؤكداً أن هذه الأجهزة قدّمت تقريراً مُفصّلاً يتضمن اسم العميد السوري المسؤول عن لواء العمليات الخاصة بالأسلحة الكيميائية، والذي نفذ الهجوم الأخير والهجمات السابقة. وختم بالقول إن العملية يجب أن تؤدي إلى التخلص من هذا العميد.
في برلين، يبدو الوضع مختلفاً؛ فألمانيا تستعد للانتخابات التشريعية بعد أقل من شهر، والأحزاب الألمانية كافة تدرك جيداً أن غالبية الشعب الألماني تقف ضد المشاركة في أي عمل عسكري بعد التجربة الأفغانية.
لذا ربط وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله مشاركة ألمانيا بوجود تفويض أممي.
وتخشى حكومة برلين من أن تنجرّ إلى التدخل بنحو أو بآخر، إذ إن الجيش الألماني نشر بطاريات صواريخ باتريوت في تركيا لأغراض دفاعية فقط، ولكن إذا ردّت سوريا على هجمات الأطلسي بقصف تركيا فهذا يعني أن القوات الألمانية هناك ستشارك وتصبح جزءاً من المعركة. وهذا ما يقضّ مضجع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تريد الوصول إلى الانتخابات من دون أن تعرض شعبيتها للخطر. فسيناريو كهذا سيكون بمثابة هدية للمعارضة ستوظفها بالتأكيد في المعركة الانتخابية.
من جهته، رأى الخبير الاستراتيجي هينينغ ريكة، من المؤسسة الألمانية للسياسة الخارجية، في حديث مع «الأخبار»، أن واشنطن تجد نفسها مضطرة إلى توجيه ضربة عسكرية الى سوريا حتى ولو كانت غير راغبة في ذلك.
فصدقية الرئيس الأميركي باتت على المحك، وأي تردد أو تراجع الآن والتذرع بضرورة الحصول على تفويض دولي قد يكون له تداعيات سلبية على الدور الأميركي وصدقيته في ملفات المنطقة، من مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وصولاً إلى البرنامج النووي الإيراني.
لذا، فإن توجيه ضربة الى دمشق يعني توجيه رسالة إلى إيران أيضاً عن جدية واشنطن حين تلوّح باستخدام الحلول العسكرية وقدرتها على تنفيذ هذه التهديدات.
ويشير ريكة إلى أن التروّي الأميركي نابع أيضاً من تصميم الإدارة الأميركية على الحيلولة دون استفادة الجماعات الإسلامية المتشددة من الهجمات الأطلسية لتحقيق تقدم على الأرض.
وحول مصير العلاقات الغربية مع روسيا في حال حدوث ضربة، أجاب ريكة أن العلاقات الأميركية الروسية ليست في أفضل أحوالها في المرحلة الراهنة، والخيارات المُتاحة أمام روسيا للرد على هذه العملية ليست كثيرة. فموسكو بالتأكيد لن تخوض حرباً ضد الأطلسي من أجل سوريا.
ومن المؤكد أن عملية عسكرية أميركية ضد سوريا لن تحظى بنفس التأييد الذي حظيت به الحرب على أفغانستان، ولكن الولايات المتحدة الأميركية تسعى لحشد تأييد كبير، ستكون أولى إرهاصاته الاجتماع العسكري الموسّع الذي سيعقده قائد أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارتين ديمبسي، في الأيام القليلة المقبلة، في العاصمة الأردنية عمّان مع قادة عسكريين من ألمانيا وتركيا والسعودية وقطر والأردن وبريطانيا وفرنسا وكندا وإيطاليا، حيث سيكون الملف السوري النقطة الوحيدة على جدول الأعمال.