خلال ساعات قليلة، ارتفعت وتيرة التهديدات الأميركية والغربية بتوجيه ضربة إلى سوريا بحجة استخدام جيشها السلاح الكيميائي ضد المدنيين في غوطة دمشق. ورغم أن مفتشي الامم المتحدة بدأوا أمس نشاطهم في المنطقة المذكورة، وإعلان الامم المتحدة أنهم يقدرون على تقديم نتائج حول حقيقة وجود هذا السلاح ومن استخدمه، سارعت الولايات المتحدة، بلسان البيت الابيض ووزارة الخارجية وأوساط أخرى، الى اعتبار «أن كل المؤشرات تقود الى أن النظام هو من استخدم السلاح»، والى «اعتبار مهمة المفتشين غير مضمونة لأنه جرى التلاعب بالمكان والأدلة». على خط الاتصالات مع روسيا وإيران، لم يظهر أن هناك تقدماً جديداً. ومع أن روسيا أكدت أنها لن تغطي أي تدخل عسكري بقرار من مجلس الامن، إلا أن اجتماعات القادة العسكريين للدول المعادية للنظام في سوريا استكملت مشاوراتها وعقدت اجتماعات مكثفة، أبرزها في الاردن وتركيا، وسط توقعات بأن تحشد الولايات المتحدة مجموعة من الدول خلفها، من بينها فرنسا وبريطانيا وتركيا ودول مجلس التعاون الخليجي. وهي تسعى الى الحصول على تغطية من دول إسلامية أخرى في المنطقة والعالم.
سوريا سعت من جانبها الى توضيح سلسلة نقاط. وأعلن الرئيس بشار الأسد في مقابلة مع صحيفة «إزفستيا» الروسية «انها ليست المرة الأولى التي يلوح (فيها) الغرب بهذا الأمر، واليوم حاولوا إقناع روسيا والصين في مجلس الأمن ولكنهم فشلوا»، قائلاً: «هم يمكنهم بدء أي حرب لكن لا يمكنهم أن يعرفوا إلى أين ستمتد أو كيف لها أن تنتهي... وبالتالي وصلوا إلى اقتناع بأن كل السيناريوات التي وضعوها خرجت عن سيطرتهم في النهاية». وأشار إلى أن «العقبة الأخرى التي تقف أمام التدخل العسكري هي أنه في حال حصوله، لا يمكن القول إن ما يحصل في الداخل السوري هو ثورة الشعب حيث الإصلاحات هي المطلب»، موضحاً «في هذه الحالة، يمكن قادة الغرب القول نحن نذهب إلى سوريا من أجل دعم الإرهاب»، ومضيفاً «يمكن القوى العظمى أن تطلق العنان لحرب، ولكن هل يمكن الفوز (فيها)؟».
وتوجه الرئيس السوري إلى رؤساء دول العالم بالإشارة إلى «أنه كان يجدر بهم التعلم من دروس الخمسين سنة الماضية للانتباه إلى أن الحروب كافة منذ حرب فيتنام فشلت حتى الآن، وأن تلك الحروب لا تجلب سوى الفوضى وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط والعالم». وأوضح «أن الإرهاب ليس ورقة رابحة في الجيب يمكن أن تأخذ بها وتستخدمها وقتما تشاء، ثم توضع على جنب مرة أخرى. الإرهاب مثل لدغة العقرب في أي وقت. وفقاً لذلك، فإنه لا يمكن أن يكون المرء مع الإرهاب في سوريا وضده في مالي. لا يمكنك دعم الإرهاب في الشيشان وشن حرب ضده في أفغانستان». وحول ما أثير من اتهام دمشق باستعمال السلاح الكيميائي في غوطة دمشق، أكد الأسد أن «هذا النوع من الاتهام سياسي بحت، والسبب يعود إلى انتصارات الجيش في بعض المناطق». وشدد الأسد على أن «الإرهابيين» المنتشرين في سوريا «تم تجنيدهم ودعمهم من قبل الولايات المتحدة والغرب عموماً بتمويل سعودي في بداية الثمانينيات من أجل محاربة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان».
وحول العلاقة مع روسيا، لفت الأسد إلى أن «موقف روسيا السياسي ودعمها لسوريا هما الأساس الذي انعكس وينعكس على جوانب كثيرة في عودة الأمان وتوفير الحاجات الأساسية للمواطن السوري». وأعلن أن من الممكن أن يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الفترة المقبلة من أجل بذل كل جهد ممكن لحل الأزمة السورية، وشدد على أن «جميع عقود التسليح المبرمة مع روسيا تنفذ، وليس لأزمة ولا ضغوط من الولايات المتحدة وأوروبا ودول الخليج أن تمنع تنفيذها». أما نائب وزير الخارجية، فيصل المقداد، فقال لقناة «سي إن إن الأميركية إنّ «الحكومة السورية استجابت لكل ما طلبه فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة المكلف التحقيق باستخدام السلاح الكيميائي، انطلاقاً من ثقتها بأن الإرهابيين هم من استخدموا هذا السلاح اللاأخلاقي».
في المقابل، وفي تصريحات تذكّر بكلام كولن باول في تلك الجلسة الشهيرة في مجلس الأمن في 2002 حول أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة، رأى وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن «النظام السوري سوف يسعى الى تزوير الحقائق للتنصل مما اقترفه في الغوطة الشرقية»، خاصة أن «الحكومة السورية لا تتعامل بإيجابية مع لجنة التحقيق» الدولية. وأضاف «إننا سنقدم كافة المعلومات لدينا بمجرد انتهاء تحقيق الأمم المتحدة»، مشيراً إلى أنه «إذا ثبت تورط النظام السوري في استعمال السلاح الكيميائي في الغوطة الشرقية، فإن ما حدث يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية» و«الرئيس الأميركي باراك أوباما يقول إنه ينبغي أن تكون هناك عواقب على الذين يستخدمون مثل هذه الأسلحة». موقف كرره المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني الذي قال إنه «لا يوجد شك يذكر في عقولنا في إن الحكومة السورية مذنبة».
أما وزير الدفاع تشاك هاغل فقال إنه لن تشن أي عملية عسكرية ولن نتحدث عن تدخل عسكري قبل التأكد من أن النظام السوري استخدم السلاح الكيميائي في الغوطة. وأضاف أن الاستخبارات الأميركية تحقق بشأن استخدام تلك الأسلحة، وستعدّ تقريراً كاملاً في هذا الشأن، وأن أوباما سيحدد خارطة الطريق، وفقاً لتقرير الاستخبارات، إضافة إلى نتائج التحقيق الأممي. وجدد في الوقت نفسه التأكيد أن أي تدخل عسكري يجب أن يكون ضمن غطاء المجتمع الدولي.
لكن وزير الدفاع البريطاني وليام هيغ رأى أن هذا التدخل ممكن من دون توافر إجماع في مجلس الأمن. كذلك فعل وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو الذي أعلن أن حكومته سوف «تنضم إلى أي تحالف ضد سوريا، حتى لو لم يتسنّ التوصل إلى توافق أوسع في الآراء في مجلس الأمن». وربما جاء الموقف الأكثر وضوحاً من جانب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي أعلن أن «القرار سيتخذ خلال أيام. هناك عدة خيارات على الطاولة تتراوح بين تشديد العقوبات الدولية وشن ضربات جوية إلى تسليح المعارضة».

بوتين: لا أدلة

في المقابل، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يزال عند موقفه. قالها لديفيد كاميرون بكل وضوح: لا أدلة بعد على الهجوم الكيميائي في سوريا. وزير خارجيته سيرغي لافروف كان أكثر دبلوماسية. صحيح أنه قال إن روسيا «لن تخوض حرباً مع أحد في حالة التدخل العسكري في سوريا»، لكنه كان صارماً في التحذير من «عواقب وخيمة»، في اتصاله بكيري، وحاسماً في موتمره الصحافي في التأكيد أن من يعتقد أن تدمير البنية التحتية للجيش السوري سينهي الحرب الأهلية يكون واهماً». تحذيره من عمل عسكري خارج الشرعية الدولية كان بالغ الجدية: إن «تدخل حلف شمالي الأطلسي خطير جداً، وعليه التفكير جيداً قبل ارتكاب هذا الخطأ».
كذلك كانت حال إيران التي أملت أن يتخذ البيت الأبيض «موقفاً حكيماً»، فيما جددت القيادة العراقية التعبير عن أن العراق «لا يسمح بأن تكون أرضه منطلقاً لأي اعتداء على أي دولة».
إلى ذلك، أعرب مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان، من طهران، عن تفاؤله بنجاح مؤتمر «جنيف 2»، وشكر إيران على مبادرتها ذات النقاط الست وتعاونها حيال الأزمة السورية، فيما أعلن «الائتلاف» المعارض رفضه المشاركة في مؤتمر «جنيف 2»، قائلاً إنه «ليس مطروحاً على الطاولة بعد الهجوم الكيميائي».