اسطنبول | كما هي الحال منذ بداية الأزمة السورية، فقد استنفرت حكومة العدالة والتنمية كل إمكاناتها لتهيئة الرأي العام التركي وشحنه ضد الرئيس بشار الأسد و«نظامه الاستبداي الظالم الإجرامي». ولم يتردد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان طيلة في الضغط على أصحاب وسائل الإعلام الخاصة حتى يطردوا كل من تصدى لسياساته العدائية في سوريا، ووصل عددهم خلال العامين الماضيين إلى ٣٠ إعلامياً مشهوراً تم طردهم فعلاً. وجاءت التطورات الأخيرة في دمشق لتعطي أردوغان ووزير خارجيته أحمد داود أوغلو ربما الفرصة الأخيرة لتحقيق كل أحلامه وأهدافه في سوريا، والتي تحمل في طياتها أيضاً جوانب قومية عنصرية، باعتبار أن بقاء الأسد سيشكل خطراً عليها وفقاً للمقولات الجديدة للثنائي أردوغان _ داوود أوغلو اللذين لم يعودا يخبئا كأتراك زعامتهما لحركة الإخوان المسلمين في العالم بعد الاجتماع الدولي للإخوان في اسطنبول في ١٥ الشهر الماضي. وقتها، وضعت معظم وسائل الإعلام نفسها تحت خدمة أوامر الحكومة، من دون أن يمنع هذا، ومعه اعتراض وسائل الإعلام اليسارية على سياسات الحكومة، أردوغان من التمادي في موقفه المعادي للرئيس الأسد، حيث لم يتردد حتى في إرسال وزير خارجيته داود أوغلو إلى الرياض، حتى بعدما هاجم ملكها بأشد العبارات بسبب دعمه للانقلابيين في مصر. وهو لم يتردد في شن هجوم عنيف على حزب الشعب الجمهوري واتهمه كالعادة بأنه لسان حال الأسد في تركيا، بعدما أعلن الحزب رفضه لأي سياسة عدوانية تركية في سوريا. واستغل العديد من الإعلاميين اليساريين والمستقلين في صحف «جمهورييت» و«سوزجو» و«بورت» و«بوجون» و«افرنسيل» هذه الأزمة لشن هجوم عنيف ضد أردوغان وداود أوغلو. وقال عنهما العديد من المعلقين وكتاب الزوايا المشهورين في الصحف المذكورة إنهما أداة خطيرة بيد الإمبريالية والاستعمار والرجعية، ويجريان وراء الأحلام العثمانية البالية ومن دون مبالاة بما سيلحق بأنقرة من أضرار بالغة بسبب النسيج الاجتماعي لتركيا التي فيها ١٥ مليون علوي وعدد مماثل من الأكراد الذين كانوا حتى سنوات قليلة ماضية الخطر الأكبر بالنسبة إلى الأمة والدولة التركية وحاميتها المؤسسة العسكرية. واستطاع أردوغان أن يحولها بفضل الدعم الأميركي الى مجرد عناصر أمنية تأتمر بأمره، من دون أي برنامج أو إرادة أو عقيدة تربى عليها الجنرالات منذ قيام الجمهورية التركية. وأردوغان يريد الآن أن يطبق مقولاته العقائدية الخاصة في تحقيق الحلم والحلف الإسلامي العثماني بعدما تحول الجيش الأتاتوركي العلماني الى جيش انكشاري لا مبدأ له ولا عقيدة، حاله حال الجيش الأميركي الذي نجح في مشروعه للانتقام من الجيش التركي وتحويله الى جيش فارغ الأيديولوجية وبعدما رفض القيام بانقلاب عسكري ضد البرلمان الذي رفض نشر القوات الأميركية على الأراضي التركية في الأول من آذار ٢٠٠٣ إبان الحرب على العراق.