ريف دمشق | يتّبع الجيش السوري، خلال حملته العسكرية التي أطلقها في الحادي والعشرين من الشهر الجاري في ريف دمشق، تكتيكاً عسكرياً يقوم على منع قوى المعارضة المسلّحة من إعادة تجميع صفوفها، وتشتيتها ما أمكن. وذلك من خلال قدرته على استهدافها من على مدى بعيد، باستخدام سلاح الجو والمدفعية؛ والهدف من ذلك هو شلّ قدرة المعارضة المسلّحة على الردّ، ولتسهيل عملية استهدافها بعد أن تضطر للجوء إلى مناطق مكشوفة على نحو أكبر.
في الغوطة الشرقية، يستمر القصف بكثافة، باستخدام سلاح الجو والمدفعية، على مواقع المعارضة المسلّحة، ولا سيما المواقع الجديدة، بعد أن جرى استهداف المواقع السابقة في خلال الأيام الأربعة الماضية. وأعلنت مصادر من الجيش عن وصوله إلى المناطق التي جرى إطلاق السلاح الكيميائي منها في جوبر، وأفادت تلك المصادر عن تسجيل حالات اختناق بين البعض من جنود الجيش ممن دخلوا إلى أنفاق المسلّحين في الحي، أثناء كشفهم عن تلك المواقع. ولم تحدد المصادر تلك المواقع، إلا أنّ أحد أهالي جوبر، رفض ذكر أسمه، قال لـ«الأخبار» بأنّ الجيش يسيطر برّاً على أطراف المدينة: طريق جوبر من ساحة العباسيين، والمناطق المحاذية لكراجات العباسيين، ومحور جوبر ـــ زملكا، إضافة إلى توغّله من كل هذه المحاور إلى داخل المدينة مسافات قصيرة. وفي حيّ القابون دارت اشتباكات عنيفة عند «حاجز البلدية» مع استمرار استهداف مواقع المعارضة المسلّحة هناك.أما في عدرا، فقد وقعت المعارضة المسلّحة في كمين خسرت على إثره أعداداً كبيرة من القتلى، إذ «قام الجيش بتخفيف الضغط ما بين الغوطة الشرقية وبين عدرا (شمالي الغوطة)، ما دفع بمجموعات من المسلّحين إلى التحرّك باتجاه تلك المدينة التي تعد منطقة مكشوفة أمام القصف قياساً بكثافة الأبنية في الريف الشرقي، ثم جرى ضربهم». وجدير بالذكر أنّ هذه هي المرّة الثانية التي يقع فيها المسلحون في الكمين ذاته.
ودارت معارك شرسة بين الجيش والمسلّحين عند المتحلّق الجنوبي من جهة زملكا، حيث يحاول الجيش الدخول إلى زملكا من محورين: الأول هو محور جوبر ـــ زملكا، والثاني هو محور القابون ـــ زملكا. وتتحدث مصادر من المعارضة عن تدمير آليات للجيش عند المحور الأول.
ويتواصل قصف مواقع المعارضة المسلّحة في باقي مدن الغوطة الشرقية، ويترافق ذلك مع انسحاب المسلّحين إلى عمق الريف الشرقي، وبالأخص مدينة دوما، التي يبدو أنها تنتظر المعركة الأكبر؛ ويظهر أنّ هدف الجيش من ذلك هو تشتيت قوى المعارضة المسلّحة إلى ما بعد دوما، حيث بلدة الضمير شبه الصحراوية والمكشوفة.
وإلى جنوبي العاصمة دمشق، يحرز الجيش تقدماً أسرع من مثيله في الغوطة الشرقية، حيث وصل إلى «مشحم عامر»، وهي نقطة معروفة في نهاية «شارع الثلاثين» في مخيّم اليرموك، وبداية بلدة الحجر الأسود. ويواصل الجيش تقدمه، أيضاً، في بلدة سبينة، القريبة من طريق درعا، موقعاً أعداد كبيرة من القتلى على أطراف حيّي «العش» و«كوم الحجر»، اللذين سيطر عليهما حديثاً.
أما في الريف الغربي، فيتوغل «الجيش نهاراً في المعضمية حتى يصل إلى السكّة، التي تبعد مئات الأمتار عن طريق الجديدة، وفي الليل يعود إلى الطريق العام»، يروي حسام، أحد مواطني الجديدة. ولا يزال طريق جديدة عرطوز مغلقاً عند «السومرية»، وبسبب ذلك يضطر سكان الجديدة، والمناطق المحيطة بها، كي يذهبوا إلى دمشق إلى المرور عن طريق صحنايا، أي الالتفاف من الغرب إلى الجنوب، حيث طريق درعا.
ولا تزال العاصمة دمشق تعاني سقوط قذائف الهاون، من جهة مناطق الريف التي تسيطر عليها المعارضة المسلّحة، ولكن بدرجة أخف من اليومين الأولين من الحملة العسكرية.
هذا التصعيد في الوضع الميداني، في ريف دمشق، ترافقه مخاوف جديّة بدأت تنشأ في أوساط واسعة في دمشق وريفها من مسألتين أساسيتين:
الأولى: إمكانية إعادة استخدام السلاح الكيميائي في مناطق جديدة، لا سيما بعد أن ظهرت بعض الأصوات لدى القوى التكفيرية المطالبة باستخدم السلاح الكيميائي «ردّاً» على المجزرة الأولى.الثانية: هي تصاعد لهجة التهديد الغربي لسوريا التي تشدّ من أزر المعارضة المسلّحة وتدفعها للانخراط في جولات جديدة من التصعيد العسكري والسياسي.