لم يلخّص مشهد احتشاد آلاف الإسرائيليين في طوابير، أمس، أمام محطات توزيع الأقنعة الواقية، فقط حالة الترقب لهجوم غربي ضد دمشق، بل أيضاً أجواء القلق التي بدأت تنتاب عموم الإسرائيليين من أن تمتد ألسنة اللهب التي يلوّح الغرب بإشعالها في سوريا نحوهم.
وبدا واضحاً أن الحكومة الإسرائيلية، وفي موازاة استعداداتها لمواجهة تداعيات الهجوم العسكري الذي تتوقعه على سوريا، تسعى جاهدة إلى تطويق أجواء القلق هذه والحؤول دون تحولها إلى حالة هلع تشوش روتين الحياة العامة لمواطنيها. وبرغم محاولة المسؤولين احتواء هذه الأجواء من خلال تكرار التقديرات التي تستبعد أن تبادر سوريا إلى مهاجمة إسرائيل رداً على أي هجوم غربي ضدها، إلا أن الإجراءات العملانية التي يفرضها التحسب لهذا الاحتمال تغطي على هذه الطمأنات، وخصوصاً في ضوء التحذيرات التي تتوالى بشأن عدم جهوزية الجبهة الداخلية لمواجهة هجمات كيميائية. وفي كل الأحوال، إن ما يعزي الإسرائيليين هو اقتناعهم بأن الأميركيين سيخطرونهم بالموعد الدقيق لأي هجوم يقررون شنه على سوريا، كذلك فإنهم يراهنون على ضعف القدرات العسكرية للجيش السوري وتأثير هذا الأمر على قرار النظام هناك بالانتقام من المعتدين عليه.
وفي ظل أجواء أقرب إلى الاستنفار النفسي، عقد المجلس الوزاري الأمني المصغر في إسرائيل اجتماعاً، صباح أمس، خصص لبحث تطورات الوضع السوري والاستعدادات لمواجهة تداعيات ضربة عسكرية غربية لدمشق. وأفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية أنّ أعضاء المجلس تلقوا تقارير عن الهجوم الغربي المرتقب وبحثوا في المقابل عدداً من السيناريوات المحتملة التي يمكن أن يلجأ إليها الرئيس السوري، بشار الأسد، في حال تعرضه لهجوم غربي، من بينها احتمال مهاجمة إسرائيل.
وفي ختام الاجتماع الذي عقد في مقر وزارة الدفاع وهيئة الأركان في تل أبيب، دعا رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، المواطنين الإسرائيليين إلى الاستمرار في روتينهم المعيشي الطبيعي، مشدداً في الوقت نفسه على الاستعداد لكل السيناريوات «والجيش مستعد للدفاع ضد أي تهديد ومستعد للرد بقوة على أية محاولة للمسّ بمواطني إسرائيل». وانضم وزير الدفاع، موشيه يعلون، إلى محاولات الطمأنة للرأي العام الداخلي الإسرائيلي، مشيراً إلى أنّ تقدير الوضع الإسرائيلي يستبعد أن يبادر الأسد إلى مهاجمة إسرائيل. وأضاف: «حدودنا مستقرة برغم بعض الشواذات طارئة، وردودنا توضح خطوطنا الحمراء وهي تستند إلى الردع»، وأردف قائلاً: «نحن مستعدون ومتأهبون، لكن من دون هلع. لا يوجد تصعيد، وكل الأمور تجري بتدبر وتفكير، يدنا ليست رخوة على الزناد، لكن من يعتقد أن بإمكانه تهديدنا فسوف يصطدم بقوتنا».
وأقر المجلس الوزاري السماح للجيش بتجنيد عدد محدود من جنود الاحتياط لبعض الاختصاصات والتشكيلات، من ضمنها قيادة الجبهة الداخلية. وقال مصدر عسكري رفيع إنّ الجيش حصل على تفويض من المجلس الوزاري الأمني لتجنيد آلاف جنود الاحتياط «إلا أننا سنجند ألفاً فقط للتشكيلات الحيوية في الدفاع الجوي وسلاح الجو وقيادة الجبهة الداخلية وشعبة الاستخبارات العسكرية». وأوضح المصدر العسكري أنّ رئيس الأركان الإسرائيلي، بيني غانتس، يتواصل على نحو دائم مع نظيره الأميركي، مشيراً إلى أنّ «التأهب الآن هو في الوضعية الطبيعية، وهو سيتغير عندما يهاجم الأميركيون».
ونقل موقع «والا» الإخباري العبري عن مصدر سياسي إسرائيلي قوله إن التقدير السائد في تل أبيب يستبعد أن يحاول الأسد جرّ إسرائيل إلى حرب. لكنه أضاف أن إسرائيل جاهزة لهذا الاحتمال، برغم ضعفه، مشيراً إلى أنّ الغرب لن يحاول من جهته تقويض نظام الأسد، وأن حجم الضربة المتوقعة ضد دمشق لم يتضح بعد.
وعن الموعد المتوقع للهجوم الغربي، نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مصدر عسكري آخر قوله إنّ «هناك عدداً من المتغيرات يتحدد وفقاً لها الموعد الدقيق للهجوم، من بينها خروج المفتشين الدوليين من سوريا واللقاء المخطط له يوم الأربعاء القادم بين الرئيسين الأميركي والروسي، باراك أوباما وفلاديمير بوتين». وأشارت الصحيفة إلى أنّ إسرائيل ستحصل على إشعار من الولايات المتحدة بشأن موعد الهجوم على سوريا في موعد قريب من شنه. ورأت أنّ هذا الإشعار سيكون دقيقاً وسيتضمن اليوم والساعة والأهداف، مرجحة أن تكون الأيام القليلة المقبلة التي تفصل عن موعد زيارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إلى روسيا الثلاثاء القادم لحضور قمة الدول الصناعية، هي الوقت السياسي المتاح للهجوم في ظل استبعاد أن تشنّ واشنطن الهجوم أثناء القمة.
وفي هذه الأثناء، واصلت السلطات الإسرائيلية رفع مستوى إجراءاتها المتعلقة بالاستعداد الميداني للتدخل الغربي في سوريا. وفي هذا الإطار، قرر الجيش نشر بطارية إضافية من منظومة «القبة الفولاذية» في منطقة الشمال، فيما أشارت تقارير إلى أن سلاح الجو يبحث سحب إحدى بطاريات الـ«باتريوت» من التدريب لنشرها أيضاً في الجليل. كذلك قرر سلاح الجو رفع مستوى التأهب في وحدات «حيتس 2» للاعتراض الصاروخي البعيد المدى. ونشر المتحدث باسم الجيش، يوآف مردخاي، تعليقاً على صحفة «فيسبوك»، الخاصة به، شدد فيه على أن «الجيش يتابع ويفحص ويرصد التطورات السورية ساعة بساعة، وقيادة الجبهة الداخلية تستعد لإعطاء الأجوبة المطلوبة للسكان، ولذلك لا داعي لتغيير روتيننا اليومي».
ومساء أمس، عقد وزير الجبهة الداخلية، غلعاد أردان، اجتماعاً خاصاً لفحص جاهزية الجبهة في ضوء نتائج اجتماع عقدته اللجنة الفرعية الخاصة بجاهزية الجبهة الداخلية في الكنيست وحذرت فيها من النقص الكبير في جاهزية الجبهة لمواجهة هجمات غير تقليدية. وقال رئيس اللجنة، إيلي يشاي، إنّ 60 بالمئة فقط من الإسرائيليين يمتلكون أقنعة واقية من الأسلحة الكيميائية، فيما أكدت مصادر أمنية أخرى فقدان حقن الـ«الأتروفين» لعموم الإسرائيليين، وهي الحقن التي يمكنها أن تنقذ الحياة في حال التعرض لمادة كيميائية.
وفي السياق نفسه، بدأ عدد من البلديات الإسرائيلية الكبرى الاستعداد لما يشبه حالة طوارئ متوقعة. وأعلنت بلدية تل أبيب، أمس، أنها تستعد لفتح الملاجئ، فيما أصدرت بلدية حيفا تعليمات بإنعاش الإجراءات وشرعت بإجراء اتصالات مع وزارة الجبهة الداخلية لبحث مسألة حاويات الأمونيا الموجودة في مرفأ المدينة.