طهران ــــ الأخبار ربما كان وصف المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، علي خامنئي، لوضع المنطقة بأنها تواجه كارثة وتقف على برميل بارود، يختصر الرؤية الإيرانية لما تشهده من تطورات متسارعة، جاءت بالتزامن مع عرض أميركي نقله سلطان عمان بسحب اليد من سوريا، في مقابل رفع العقوبات عن الجمهورية الإسلامية والاعتراف بحقوقها النووية. وصحيح أن قابوس بن سعيد قدم العرض تحت عنوان أنه يعتقد «أن الأميركيين يفكرون بهذه الطريقة»، لكن مصادر إيرانية وثيقة الصلة بهذه الزيارة أكدت أن العرض الأميركي كان واضحاً ولا لبس فيه. ليس هذا فحسب، فقد جاء هذا العرض بالتزامن أيضاً مع زيارة مساعد الأمين العام للأمم المتحدة جيفري فيلتمان لطهران، حيث كشف للإيرانيين عن رغبة الغرب في شن ضربة عسكرية لسوريا. صحيح أنه أكد أن لا أحد يريد إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، وإنما غاية تلك الضربة إضعافه لإجباره على الذهاب إلى جنيف 2 برؤية تضمن إنجاحه، إلا أن اللافت في حديثه كان «تحديد يوم الأحد موعداً للضربة التي كان سبّاقاً في استشرافها وتحديد إطارها الزمني ومحدوديتها».

الجواب الإيراني، كما الرسائل الغربية، كان واضحاً لا لبس فيه: رفض للعرض الأميركي تحت عنوان أن سوريا خط أحمر، وهناك استحالة لمبادلتها بأي ملف ثان، ولفت نظر إلى أن محدودية الضربة المزعومة لا تضمن أن يكون الرد عليها محدوداً.
وقال خامنئي، خلال استقباله الرئيس روحاني وأعضاء حكومته أمس، «إن التدخل الأميركي في شؤون المنطقة والتلويح بالاعتداء على سوريا يشكّل كارثة ... وسيكون كشرارة في برميل للبارود لا يستطيع أي أحد معرفة أبعاده وتداعياته ومآلاته»، مشدداً على أن «من المؤكد أن أي تدخل أو دق طبول الحرب سيضرّ أولئك الذين أشعلوا هذه النيران ... إذا أقدم الأميركيون على هذا العمل فمن المؤكد أن ضرراً سيلحق بهم، مثل ما حدث مع تدخلهم في العراق أو أفغانستان».
بدوره، أعرب الرئيس الإيراني، حسن روحاني، خلال اجتماع الحكومة، عن قلقه حيال التطورات الأخيرة في المنطقة، قائلاً «إن شعوب العالم وخاصة شعوب منطقة الشرق الأوسط ليست على استعداد لقبول حرب جديدة، وإن أي مغامرة في هذه المنطقة سيكون لها تهديدات خطيرة تمس الاستقرار في المنطقة والعالم، وتؤدي فقط الى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة». وقال «نظراً الى الظروف والمعلومات المتوافرة، يبدو أن مجموعة تحاول من خلال الضجة الدعائية والسياسية حرف الرأي العام عن الحقائق الميدانية حول الاستخدام الأخير للأسلحة الكيميائية في سوريا، وتمهيد الأرضية لاستغلال هذا الإجراء الوحشي بهدف إملاء رؤاها الخطيرة والضيقة الأفق».
وأكد روحاني موقف إيران بضرورة تحديد المسؤولين عن استخدام السلاح الكيميائي على أساس التحقيقات المحايدة، وعدم الإسراع في إصدار القرارات التي تنطوي على مصالح خاصة، مضيفاً إنه «يجب على منظمة الأمم المتحدة، في ضوء الحقائق الميدانية، أن تدرس نوعية السلاح اليدوي المستخدم، وتاريخ نقل المواد الكيميائية الى الجماعات التكفيرية من خارج سوريا والاستخدام الأخير لهذا السلاح، وأن تعلن النتائج بشكل شفاف».
وقال «إن أي إجراء ونظراً الى الظروف الحساسة في المنطقة، يجب أن يؤدي الى إنهاء الحرب الأهلية بأسرع وقت ممكن، والتصدي للتطرف في المنطقة، وأن يكون في إطار القوانين الدولية».
بدوره، قال رئيس مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) علي لاريجاني، إن «من المحتمل أن تشن الدول الغربية حملة عسكرية، إلا أن مآلاتها لن تكون بيدها وعليها التفكير بربيبها السفاح الكيان الصهيوني في المنطقة».
وأوضح «أنه في البداية كانت هذه القوى تحيط بها أفكار صبيانية ساذجة، إذ تصورت أنها قادرة على إسقاط الحكومة السورية في غضون أسابيع، إلا أنها حين واجهت مقاومتها بادرت الى إرسال الإرهابيين وتزويدهم بالمال والسلاح من أجل إرغام دمشق على الاستسلام عبر هذه المؤامرة المتعددة الجوانب». وقال إن «الدول الغربية والصهاينة والدول الرجعية عمدوا الى مخطط يتمثل باستخدام الكيميائي بعدما انهارت أحلامهم بإسقاط الحكومة السورية عبر إرسال المرتزقة الإرهابيين وممارسة الضغوط السياسية عليها، إلا أن مقاومة الشعب السوري أفشلت تلك المخططات». وأضاف إن «طهران تلقت منذ شهور معلومات تفيد بإدخال دولة إقليمية شحنة من الأسلحة الكيميائية الى الأراضي السورية، حيث عمد الإرهابيون الى استخدامها لاحقاً». وأشار لاريجاني إلى أن «سير الأحداث يؤكد أنها مؤمرات مكتملة الأركان، حيث إن لجنة تحقيق الأمم المتحدة الموجودة في دمشق لم تبدأ تحقيقاتها بعد حتى قرعت طبول الحرب من قبل أميركا وبريطانيا، من دون الرجوع الى مجلس الأمن الدولي».
وفي السياق نفسه، أكد وزير الخارجية محمد جواد ظريف أن إيران حذرت فيلتمان من مغبة أي مغامرة غربية في سوريا، إذ إن تبعاتها ستكون خطيرة على أمن المنطقة وتتخطى حدود سوريا. وحول زيارة فيلتمان لطهران، أكد ظريف أن الأمين العام المساعد للأمم المتحدة شدد خلال اللقاء على أن المخرج الوحيد للأزمة السورية يكمن في الحلول السياسية ووقف العنف القائم وإنهاء كل أوجه التدخل الخارجي في الأزمة.
وعلى الصعيد العسكري، حذّر نائب رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، العميد مسعود جزائري، الغربيين من أي عمل عسكري ضد سوريا، وأكد أن نار الهجوم العسكري على سوريا «ستحرق أذيال الصهاينة».
وأكد العميد جزائري أنه «إذا جازف الأميركيون، ومن أجل إرضاء الصهاينة، بالقيام بعمليات جديدة مماثلة للعراق وأفغانستان، فإنهم سيتكبدون خسائر فادحة»،
وكان قائد القوة البحرية التابعة لحرس الثورة الإسلامية العميد علي فدوي، قد أكد من ناحيته، أنه «لو ارتكبت أميركا أي حماقة للمواجهة مع إيران، فإن مآل ذلك لن يكون سوى تدمير السفن الحربية الأميركية وعودة جثث الجنود الأميركيين إليها».
إلى ذلك، وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، عباس عراقجي، الأنباء التي أوردتها وسائل إعلام إسرائيلية عن زيارة سرية قام بها الرئيس السوري لطهران ليلة أول من أمس، بأنها «تبعث على الضحك»، نافياً صحة تلك الأنباء جملة وتفصيلاً.