رام الله - لا يلبث معبر رفح البرّي، المنفذ الوحيد لسكان قطاع غزّة الى العالم، أن يفتح، حتى يغلق مجدّداً كلّما عادت الأمور إلى التوتر في مصر، حيث يجري حكم العادة بأن تكون غزّة في صدارة لائحة الاتهام، ويكون الغزّيون أول من يدفع الثمن. المعبر الآن يعمل على نحو جزئي منذ يوم السبت الماضي؛ أربع ساعات إزاء إجراءات بيروقراطية مشددّة تسير تجري ببطء ورتابة، لا تكفي لاستيعاب مئات المسافرين من قطاع غزة يوميّاً، فيضطر البعض منهم إلى توسّد حقائبهم والمبيت أمام المعبر، لعلّهم يجدون لهم مكاناً متقدّماً في طوابير المسافرين في اليوم التالي.
في غزّة يتراجع نمط الحياة يوماً بعد يوم، بقدر ما تزداد احتياجات أهالي القطاع المحاصر، ويزداد شعورهم بأن الأنفاق، التي تجري عمليات ردمها على قدم وساق من قبل السلطات المصرية، كانت تمثل فعلاً شريان الحياة الوحيد لهم، ولا سيما أن المعبر الذي بالكاد يعمل، مخصص لحركة الأفراد دون البضائع التجارية، ذلك ما دفع الحكومة المقالة في غزة إلى البدء بترتيبات مع الإدارة المصرية، قد تتضمن قبول وجود السلطة على المعبر، مقابل تحويله إلى معبر تجاري، مع اشتراط عدم العودة إلى اتفاقية المعابر الموقعة بين السلطة وإسرائيل عام 2005.
حالة الكبت التي يعيشها أبناء القطاع دفعت المتحدث باسم الحكومة المقالة في غزة، إيهاب الغصين، إلى التصريح بأنه إذا «لم يحدث انفراج في إدخال البضائع وفتح معبر رفح على نحو كامل فسيحدث انفجار لدى الشعب الفلسطيني»، مبيناً أن القطاع يعيش أزمة، ولا سيما في قطاع الوقود، دون تفكير السلطات المصرية في إيجاد بديل نظير عمليات ردم الأنفاق والإغلاقات المتكررة للمعبر.
«الانفجار» الذي جُرّد من سياقه في الصحافة المصرية، يعيد إلى الذاكرة أحداث عام 2008، عندما ضاق أهالي غزة ذرعاً بالحصار المتواصل منذ سنتين، فتوجه الآلاف منهم نحو معبر رفح، وباتوا ليلتهم بالعريش قبل أن يشتروا حاجياتهم الأساسية ويقفلوا عائدين إلى بيوتهم؛ أكثر من عشرة آلاف غزّي انتقلوا في يوم وليلة من العريش إلى غزة دون أن يتركوا خلفهم أثراً لفوضى أو أعمال عنف، قبل أن يتوعدهم وزير الخارجية المصري السابق، أحمد أبو الغيط، «بقطع أرجلهم» إذا عاودوا دخول سيناء.
الاتصالات بين السلطة والحكومة المقالة من جهة، ومصر من جهة ثانية، لم تتوقف منذ إغلاق المعبر عقب عزل الرئيس مرسي في الثالث من تموز الماضي. الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، طرح في القاهرة قبل أسبوعين العودة إلى العمل باتفاقية المعابر عام 2005،التي تنص على فتح ممرين في معبر رفح، أحدهما للمسافرين، والآخر للبضائع التجارية، يشرف عليهما مراقبون من الاتحاد الأوروبي، مع وجود كاميرات مراقبة يديرها الطرف الإسرائيلي، ولا تجري حركة الدخول والخروج إلا بموافقته.
غير أن الحكومة المقالة في غزة أعلنت رفضها اقتراح عباس، حيث قال المستشار السياسي لاسماعيل هنية، يوسف رزقة، إن «المعبر يحتاج إلى سيادة فلسطينية ومصرية بحتة، دون أي تدخل خارجي»، بينما رأى نائب رئيس الحكومة المقالة، زياد الظاظا، أن دعوة عباس «مشاركة في حصار الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، واستدعاء لإسرائيل مجدداً كصاحبة يد في المعبر بعدما تحررت غزة وبات المحتل خارجها».
ولا تزال «حماس» ترفض وجود بدائل عن معبر رفح البري، لكونه المعبر الوحيد الذي لا يخضع لإشراف إسرائيلي، وهي تعني بذلك معبر بيت حانون («إيريز») الإسرائيلي، الذي تحدثت تسريبات إعلامية عن اتفاق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل على جعله بديلاً لمعبر رفح، كما أعلن مصدر مسؤول في وزارة الشؤون المدنية في السلطة، الأمر الذي حذر منه الغصين، قائلاً «إن هذا الأمر مرفوض نظراً لخطورة السفر عن طريق معبر بيت حانون، لكون الاحتلال يرفض ذلك، كما أنه يهدد باعتقال وملاحقة من يدّعي أنه مشتبه فيه».
كذلك صدر نفي الحكومة الفلسطينية في الضفة، حيث أكّد المتحدث باسمها، إيهاب بسيسو «على حق المواطنين في التنقل والحركة»، نافياً أن يكون هنالك «أي توجه نحو اعتماد معبر بيت حانون بديلاً لمعبر رفح»، ومؤكداً على «ضرورة اعتماد معبر رفح معبراً فلسطينياً مصرياً يقوم على تسهيل حركة المسافرين وتحييد الحالات الإنسانية».
ضاقت السبل أمام «حماس»، التي تُتهم كل فينة والأخرى بالتدخل في الشأن المصري، ويجري تهديدها بمعاقبتها باغلاق المعبر، غير أنها تصرّ على النفي، حيث طالب نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، موسى أبو مرزوق، أمس «بالكف عن ترديد الاتهامات والافتراءات الموجهة إلى الحركة»، قائلا «إنه لا بد من فتح المعبر لتُغلق الأنفاق، ومصر ليست طرفا في اتفاق المعابر السيّئ السمعة، ونحن مستعدون للنقاش حول فتح المعبر».
من جهته، يؤكد القيادي في حركة «حماس»، يحيى موسى لـ«الأخبار» أنه «لا جديد في ما يتعلق بموقف الحركة من قضية معبر رفح»، مبيناً أن «اتفاقية المعابر عام 2005 لا وجود لها ولا موقع لها، لا في الحاضر ولا في المستقبل، لأنها تعبر عن هيمنة الاحتلال، لأن الأصل هو أن غزة تحرّرت وينبغي أن يتحرر معبرها مع مصر كذلك».
وبخصوص موقف الحركة من إدارة المعبر، قال موسى «نحن شركاء في إدارة كل شيء، ليس عندنا إشكال في إدارة المعبر، هم الذين استنكفوا وحدهم عن العمل في المعبر، بإيعاز من الرئيس أبو مازن، الذي يطالب الآن بالعودة إلى إدارة المعبر من خلال اتفاقية المعابر».