بعد حالة الذعر التي سيطرت على الجمهور الإسرائيلي بفعل التقارير المتوالية عن التداعيات المحتملة للهجوم الأميركي المفترض على سوريا، وامكان انعكاس ذلك على إسرائيل، عمدت القيادة السياسية والأمنية في تل أبيب إلى توجيه رسائل مطمئنة إلى الجمهور، في محاولة منها للحدّ من مفاقمة هذه الحالة. من دون أن يمس ذلك بالجاهزية الفعلية للجيش والاستخبارات.
من أبرز القيادات التي تصدت لعملية طمأنة الجمهور، الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس، الذي أكد أنّ إسرائيل لديها جيش قوي ومتطور وأنظمة دفاعية لا مثيل لها، مشيراً إلى أنّ التقارير الواردة حول شنّ هجوم محتمل ضد إسرائيل ما هي إلا إشاعات تهدف إلى نشر الذعر. وأضاف أنّ أسرائيل «لم ولن تتدخل في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، لكن إذا حاولت سوريا الحاق الضرر بأمننا فسنقوم بالرد بكامل قوتنا».
الأمر نفسه، قام به الجيش الإسرائيلي، الذي عمل على تهدئة الجو الهستيري الذي ساد بين المواطنين، بحسب تعبير صحيفة «هآرتس»، عندما شدّد على أنّ احتمال انجرار إسرائيل إلى المواجهة الأميركية _ السورية، ضئيل جداً، لكن الاستعداد واجب، وهو الذي دفع المجلس الوزاري المصغر إلى اتخاذ عدد من الاجراءات العملانية.
ولفت المعلق العسكري في الصحيفة، عاموس هرئيل، إلى أنّ نافذة الهجوم الأميركي على سوريا، باتت أكثر اتضاحاً، وهو الآن يتعلق بتطورين، الأول يسبق القصف، والثاني يجب أن يحدث بعده. ويبدو في هذه المرحلة أنّ من الصعب على الولايات المتحدة شنّ الهجوم قبل مغادرة مراقبي الأمم المتحدة سوريا، كما ستفضل الإدارة الأميركية انهاء القضية قبل المؤتمرات الدولية، التي تنتظر الرئيس باراك أوباما منتصف الأسبوع المقبل. من هنا قدّر هرئيل أنّ الموعد المحتمل للهجوم يمتد حتى يوم الاثنين، مع تحفظين اثنين، أنّ دمشق قد تحاول تأخير خروج المراقبين، واحتمال دائم بأن توافق واشنطن على بذل جهود من أجل التوصل إلى مصالحة دبلوماسية في اللحظة الأخيرة.
في موازاة ذلك، انضم وزير الأمن الداخلي، يتسحاق اهارونوفيتش، إلى التقديرات التي تقلّل من احتمال تعرض إسرائيل لردود سورية، رغم وجوب الاستعداد لكافة السيناريوات. وأكد، في سياق جلسة تقويم شارك فيها ممثلون عن الشرطة وأجهزة الامن والانقاذ، أنّ جميع هيئات الطوارئ على أتم الاستعداد بهدف العمل على الحدّ من المساس بالحياة الاعتيادية لسكان الدولة في حال تعرضها لاطلاق النار.
إلى ذلك، رأى وزير حماية الجبهة الداخلية، غلعاد اردان، أنّه على الرغم من الاحتمالات الضئيلة لتعرض إسرائيل لردّ سوري، إلا أنّ الدوائر الأمنية، وتلك المسؤولة عن الجبهة الداخلية على استعداد لمواجهة أي سيناريو، وهي تحافظ على جاهزية كاملة.
من جهة أخرى، أعربت رئيسة حزب العمل، شيلي يحيموفيتش، عن اعتقادها بأنّه لا يمكن للعالم أن يبقى مكتوف الأيدي إزاء استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، ورأت أنه ينبغي لإسرائيل أن تتّخذ موقفاً حازماً من هذا الموضوع. وأضافت أنّه يجب افساح المجال أمام الولايات المتحدة لقيادة هذا التحرك من خلال دعم دولي واسع.
في السياق نفسه، قرّرت قيادة الجبهة الداخلية، تمديد ساعات العمل في جميع المراكز لتوزيع الأقنعة الواقية من الغازات السامة، في أنحاء البلاد، حتى الساعة السابعة مساء، إلا أنها لا تنوي فتح مراكز أخرى، واصدار تعليمات جديدة للجمهور الذي يطالب باتباع نمط حياته الاعتيادية.
إلى ذلك، ذكر موقع «يديعوت أحرونوت» أنّه على خلفية سيناريو اطلاق صواريخ من سوريا نحو إسرائيل جرى اعداد كل مواقف السيارات التي تقع تحت الأرض، في منطقة غوش دان، والقادرة على استيعاب حوالى مليون شخص، لكن الموقع لفت إلى أنّه إذا تحقق سيناريو الرعب المتمثل في التعرض لأسلحة كيميائية، فإن تل أبيب غير مهيأة لمواجهة هذا النوع من الأخطار. إذ بعد شهرين من الآن ستستخدم البلدية «الموقف الكيميائي» الأول.
في سياق متصل، تواصل الأجهزة الأمنية والعسكرية لقاءاتها وتقديراتها والمحافظة على رفع جاهزيتها، والعمل على استكمال رسم الصورة العامة حول سوريا والدول المجاورة، التي سينضم قسم منها إلى الائتلاف الدولي الذي يجري تشكيله، من وراء الكواليس بالتعاون مع الولايات المتحدة وبريطانيا، بحسب موقع «واللا» الاخباري. وينتظر، أيضاً، أن يقدم رئيس الاستخبارات العسكرية، اللواء افيف كوخافي، عرضاً مسهباً حول آخر التطورات لما يحدث في سوريا، فضلاً عن تناوله احتمالات التعرض لردود صاروخية في حال شن هجوم أميركي على سوريا، التي ترجح أن احتمال حصوله ضعيف، لكنه قائم.
بدورها، تناولت صحيفة «معاريف» امكان مشاركة الجيش في العملية العسكرية ضد سوريا، من عدمها، ورأت أنّ من أبرز هذه السيناريوات مشاركة إسرائيل في الهجوم المرتقب رداً على هجوم سوري، الذي سيمنحها الشرعية الدولية للرد والمشاركة الفعلية، الأمر الذي سيمكّن إسرائيل من اسقاط نظام الأسد. وتناولت الصحيفة سيناريو تعرض إسرائيل لضربات من قبل «الجماعات المؤيدة للنظام السوري»، بهدف اشعال الحدود الشمالية، سواء مع سوريا أو لبنان، فيما سينأى النظام السوري بنفسه عن ذلك.
كذلك تناولت الصحيفة احتمال نقل أسلحة استراتيجية من سوريا إلى حزب الله، وهو امر أوضح المسؤولون الإسرائيليون أنهم سيقومون باحباطه ولو بالقوة.
أما لجهة تعرض إسرائيل لصواريخ كيميائية، بالرغم من أن هذا الاحتمال ضئيل، إلا أن تل أبيب نشرت ثلاث بطاريات صاروخية اعتراضية، «وفي كل الأحوال سترد بكل قوتها على سوريا»، إذا تعرضت لذلك.
أما السيناريو الخامس، فهو أن تلتزم إسرائيل الصمت وعدم الرد على أي ضربة توجه إليها، ولفتت الصحيفة إلى عدم وجود أي معلومات تتحدث عن طلب أميركي مشابه لما حصل عام 1991، عندما هاجمت الولايات المتحدة العراق وطلبت من إسرائيل عدم الرد على الصواريخ العراقية. أما بالنسبة إلى السيناريو الأخير، فيتمثل باطلاق فصائل فلسطينية من قطاع غزة صليات صاروخية، يتوقع بحسب «معاريف»، أن تقوم بذلك حركات الجهاد الاسلامي وحركات صغيرة أخرى، فيما توقعت تقديرات أخرى أن تقوم حماس نفسها بذلك، في ضوء الضغوط التي تتعرض لها من مصر، وفي محاولة لتوجيه رسالة إلى الإيرانيين لتجديد العلاقات معها.