واشنطن - يبدو أن لا شيء تغيّر في البيت الأبيض بعد عشر سنوات من نشر الأكاذيب حول أسلحة الدمار الشامل العراقية، التي استخدمها جورج بوش الابن ليشنّ مع «حلف الراغبين» الذي شكّله عدواناً سافراً على العراق، انتهى بتدمير قدرات البلد واحتلاله بالرغم من كافة التحذيرات التي وجهت للولايات المتحدة من عواقب ذلك، بعد أن «تذهب السكرة وتعود الفكرة»، وهو التعبير العربي لمقولة «ماذا عن اليوم التالي؟».
ويلخّص ذلك رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي، أليكسي بوشكوف، في معرض تهديدات البيت الأبيض بشنّ عدوان على سوريا، بأنّ ما يراه حالياً «وكأن جورج بوش وديك تشيني ودونالد رامسفيلد لم يغادروا البيت الأبيض. إنها في الأساس ذات السياسة، فالولايات المتحدة لم تتعلم أي شيء ولم تنس أي شيء خلال السنوات العشر الماضية. إنهم يريدون إطاحة زعماء أجانب يعتبرونهم أعداء لهم، حتى بدون أن يجروا أبسط الحسابات لعواقب ما يفعلون». ويضيف أنّ «تدخلاً في سوريا من شأنه فقط أن يوسع رقعة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. إنني في حيرة كاملة إزاء فهم ما الذي تفكر الولايات المتحدة في القيام به».
وبالرغم من الزعم الأميركي والغربي بأن أيّ عدوان عسكري يجري التهديد بشنه في غضون الأيام القليلة المقبلة لا يستهدف إطاحة نظام الرئيس بشار الأسد، فالهدف هو تدمير معظم القدرات العسكرية والتخطيطية والقيادية للنظام. وهو ما يؤدي، حسب التخطيط الأميركي، إلى جعل ميزان القوى يختل لصالح الجماعات المسلحة، ليمهد الطريق لا إلى مؤتمر «جنيف 2» بل إلى حسم الصراع على الأرض لصالح الجماعات المسلحة لفرض شروط تغيير النظام في دمشق.
وسيتركز القصف الأميركي، في حال وقوعه، على القدرات الجوية السورية من طائرات بنوعيها ثابت الجناح والهليوكوبتر، ومدارج الطائرات، والقواعد الجوية إضافة إلى مراكز السيطرة والتحكم. ويقول المحلل البارز في معهد دراسات الحرب في واشنطن، كريس هارمر، في دراسة له في هذا الشأن أنّ «سلاح الجو السوري يقوم بصورة منتظمة بثلاث مهمات تعطيه تفوقاً استراتيجياً على قوات المتمردين: فهو يجلب أسلحة وامدادات أخرى من إيران وروسيا، ويعيد تموين وتزويد وحدات الجيش المقاتلة ضد المتمردين، كما يقوم بقصف المناطق التي يسيطر عليها المتمردون». وأكّد أنّ ضربة محدودة يمكن أن تعطل المهمة الأساسية لسلاح الجو السوري.
وهو ما يدعو إليه أيضاً، المبعوث الأميركي الخاص السابق لسوريا والمنطقة، فريدريك هوف، بأنّ مثل هذا القصف من شأنه أن يقلل قدرة على القيام بهجمات مدفعية مكثفة أو بالقذائقف الصاروخية أو بالطائرات وحتى بالأسلحة التقليدية.
ويجادل بعض الخبراء والمسؤولين الأميركيين السابقين بأن من المتوقع أن يقوم الرئيس السوري بالردّ مدعوماً بحليفيه: إيران وحزب الله بإطلاق صواريخ على إسرائيل والأردن وتركيا، وأنّ أي قصف لمواقع سورية قد لا يحول دون مواصلة الحكومة السورية عملياتها العسكرية ضد الجماعات المسلحة، لذلك يدعو هؤلاء الولايات المتحدة إلى ضرورة الإعداد لجولة أخرى من القصف.
ويرى هؤلاء الخبراء أنّ إضعاف قدرات دمشق العسكرية سيصبّ لصالح الجماعات المسلحة، خاصة «جبهة النصرة» التي دعت علناً مسلحيها إلى الابتعاد عن الأماكن التي يتوقع قصفها، وأيضاً ترك مواقعهم الحالية خوفاً من استهدافهم بصواريخ أميركية.
الذريعة الأميركية مصدرها تل أبيب
وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أنّ التقرير الاستخباري، الذي يعتزم البيت الأبيض نشره قريباً واستخدامه كذريعة لشن العدوان على سوريا، يستند في الأساس إلى معلومات استخبارية قدمها جهاز الاستخبارات الإسرائيلي بزعم أنه حصل عليها من داخل وحدة النخبة الخاصة السورية التي تشرف على الأسلحة الكيميائية السورية، إلى جانب معلومات قدمتها السعودية وقطر والأردن. وقد سارعت مستشارة أوباما للأمن القومي، سوزان رايس، يوم الأحد الماضي إلى إرسال رسالة بالبريد الإلكتروني إلى المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة سمانثا باور (صاحبة فكرة التدخل الإنساني ضد سوريا)، تقول فيها «إن التحقيقات التي تجريها بعثة الأمم المتحدة أصبحت متأخرة، وستقوم في الحقيقة بإبلاغنا بما نعرفه حالياً وهو أنّ أسلحة كيميائية قد استخدمت... وهي حتى لن تخبرنا عمن استخدمها وهو ما نعرفه حالياً».
ويرى مسؤولون عسكريون أميركيون وخبراء السياسة الخارجية أنّ عملاً عسكرياً محدوداً في إطار ما يصفونه بـ«القصف العقابي»، هو أمر مهم لتهدئة مخاوف بعض الدول العربية التي تشعر فعلياً بأن عدواناً واسعاً من شأنه أن يزيد من الآثار التي تنجم عن الحرب الأهلية في سوريا. فالحرب التي تهدد أميركا وحلفاؤها بشنها قد تسفر في ما بعد عن زيادة ما هو موجود حالياً من مشاكل وأزمات؛ فإضعاف النظام بغية إطاحته سوف يزيد عمليات نزوح السوريين إلى خارج حدود بلادهم، في وقت لا توجد في سوريا مجموعة معارضة تمتلك أي قدر من الصدقية يمكن أن يسمح لها بتولي السلطة في البلاد.
وترى شبكة التلفزيون الأميركية «إن بي سي»، في تقرير لها، أنّه إذ قامت الولايات المتحدة، على الأرجح مع دول أخرى بما في ذلك تركيا وفرنسا وبريطانيا، بمهاجمة أهداف عسكرية في سوريا بشكل كبير، يمكن أن تصيب النظام السوري في مقتل، زاعمة أنه في الوقت الراهن يعتمد بشكل كبير للاستمرار في الحرب على حزب الله وإيران، وأن معظم الهجمات التي يشنها الجيش السوري تجري من مسافة بعيدة بواسطة صواريخ وطائرات هليكوبتر.
ويخشى خبراء من تشظي سوريا إلى مناطق يخضع بعضها إلى سيطرة بعض الطوائف والأقليات الإثنية المسلحة (علويين وأكراد)، وأن تبقى أجزاء واسعة تحت سيطرة الجماعات المسلحة، بما في ذلك التنظيمات المرتبطة بالقاعدة.
أما على الصعيد الدولي فإن إيران قد تأخذ موقفاً مزدوجاً، في الوقت الذي يرجح فيه خبراء أنها لن تخاطر بالدخول في مواجهة، فإن آخرين يأخذون تهديدات مسؤوليها على محمل الجد بالحيلولة دون سقوط النظام في سوريا، أما حزب الله فلن يتراجع عن تهديداته فهو أكثر الأطراف المهددة بالتأثر السلبي في حال نجاح العدوان الأميركي، لذلك لن يتورع في سياق اجتذاب الدعم الشعبي العربي من مهاجمة أهداف إسرائيلية ليصبح لبنان مسرحاً لهجمات إسرائيلية.
أما أول انعكاسات الجهود الأميركية لتهيئة مسرح العدوان على سوريا فكان في سوق الأسهم الأميركية والأوروبية، حيث شهد انخفاضاً كبيراً هو الأكبر خلال الشهرين الماضيين، فارتفعت أسعار النفط لتصل إلى 114 دولاراً للبرميل. وقد تكون قمة العشرين التي تستضيفها روسيا في سان بيترسبيرغ الأسبوع المقبل ضحية العدوان المحتمل، ففي الوقت الذي تعارض فيه روسيا خطط الحرب وتحذر من القيام بها فإن معظم المشاركين في القمة هم ممن يرفضون حتى الآن الاستماع إلى التحذير الروسي ويشكلون حلف الراغبين لشن الحرب. فهل يريد الرئيس أوباما إحراج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويعرض للخطر العلاقات الهشة الحالية بين الولايات المتحدة وروسيا، خصوصاً أنه سبق مؤخراً إلغاء لقاء بين الرئيسين، الأمر الذي قد ينعكس على مجمل العلاقات الدولية ليشهد العالم مجدداً حرباً باردة من نوع آخر.