بدأ الغزو الأميركي للعراق. بدأت حرب الاحتلال. وثمة «دول» عربية تشارك في الاعتداء. تشارك من موقع دُوني جدا لكنها تمارس، بذلك، الارتهان الكامل لإرادتها وسيادتها ومستقبلها. كل من اعتقد أن هدف الولايات المتحدة تطبيق القرارات الدولية عليه أن يعترف بأنه كان واهماً.

كل من اعتقد أن هدف الولايات المتحدة نزع أسلحة الدمار الشامل وقطع الطريق على صلة ما بين بغداد و«الإرهاب العالمي» عليه أن يعترف بأنه كان واهماً.
كل من اعتقد أن هدف الولايات المتحدة تحرير الشعب العراقي من القمع عليه أن يعترف بأنه كان واهماً.
كل من اعتقد أن هدف الولايات المتحدة التخلص من صدام حسين وعدد من المقرّبين منه عليه أن يعترف بأنه كان واهماً.
في البدء كان الاحتلال. يمكن أن تكون له نتائج جانبية غير متعددة إلا أنه الأصل في القرار الأميركي. لقد كان القرار متَّخَذاً منذ فترة طويلة. وعندما سيكتب أحدهم تاريخ السنتين الماضيتين سيقول إن العالم شهد عملية خداع استثنائية. ولمّا لم تنجح تماماً اضطرت واشنطن إلى رمي القناع والإعلان عن غايتها الفعلية.
لقد كانت معنية، ربما، بالمساعدة، عبر الحرب، على تغيير النظام العراقي، غير أنها حسمت أمرها لصالح وضع اليد على البلد من أجل التحكم الكامل به ووضعه في خدمة أهدافها الإقليمية والدولية. وربما لعبت سهولة الانتصار في أفغانستان دوراً في إنهاء أي تردد وفي نجاح المتطرفين في فتح شهية المعتدلين.
إن أي انتصار سهل في العراق سيُغري بالانتقال السريع إلى الهدف الثاني على «اللائحة السوداء». وليس من المستبعد أن يحصل ذلك ضمن النطاق الإقليمي خاصة إذا كانت كوريا الشمالية «أحسنت» استغلال الوقت لبناء قوة ردع. ستطلق حرب الاحتلال الأميركي للعراق سلسلة تفاعلات. ولعل السؤال المركزي يتعلق بقدرة الجسم العربي المرضوض على تحمل هذا القدر الهائل من الضغط.
لا ضرورة لطرح أسئلة عن النظام العربي الرسمي. فهو يعيش بالتأكيد لحظات صعبة قد لا ينجو منها. لقد تخلى عن أبسط واجباته بعد أن صادر معظم حقوق مواطنيه. فعل ذلك وعجز عن الدفاع عنهم أمام هجمة يقول عنها إنها وخيمة العواقب. وهو في لحظة استسلام مواقع مهمة منه أمام الهجمة الأميركية، لم يعد يملك سوى تسليم واشنطن أمر التقرير في مصيره. وهي ستفعل ذلك في سياق الإخضاع المذل الهادف إلى الانتهاء، مرة وإلى الأبد، من أي ممانعة. ولكن من الضروري طرح أسئلة عن احتمالات ردود الفعل العربية الشعبية. إن المقوّمات والمعطيات التي نملكها لا تبشر بخير كثير، فالشعوب العربية تعيش حالة معقدة من الغضب والعجز والاستفزاز والمهانة والرفض والخنوع. ويصعب الجزم في المنحى الذي سيتخذه تعبيرها عن هذا الخليط المتلاطم من المشاعر.
إلا أن عنصراً طرأ يؤمل منه أن يقود إلى رد فعل قابل للاستثمار: ان سلطات القمع العربية شديدة الانكشاف. ومن يستمع فعلاً إلى نبض الشارع ينتبه إلى أن ثمة قدراً متزايداً من التجرؤ على حكام يبدون، اليوم، في أشد لحظاتهم ضعفاً. قد لا يكفي هذا الخلل في المعادلة لتوقّع الأفضل، ولكنه بات، اليوم، عنصراً سياسياً مهماً.
وستزداد أهمية هذا الأمر مع دوام الاحتلال واتضاح مراميه. قد لا يكون المجال مجال التفكير في الشروط شديدة التعقيد لمقاومة لاحقة ولكنه، بالتأكيد، مجال القول إن السلوك في الأيام القليلة القادمة يتحكم، إلى حد بعيد، بما سيلي ذلك.
21/03/2003