في آذار/ مارس ٢٠٠٣ بدأت القوّات الأميركيّة بالزحف على بغداد، وفي التاسع من نيسان/ إبريل سقطت عاصمة العبّاسيين بيد جورج بوش الابن (وتابعه طوني بلير) تحت لواء تطبيق القوانين الدوليّة، وتحرير الشعب العراقي من الاستبداد. خلال تلك الأيّام العصيبة كان زميلنا الراحل جوزف سماحة، من موقعه في جريدة «السفير»، يواكب الحدث بنظرته النقديّة، مفكّكاً الأهداف الاستعماريّة للحملة الأميركيّة التي حوّلت «المشرق العربي إلى حقل رماية»، ومستشرفاً مستقبل العراق والمنطقة، في ضوء الصراع العربي ـــ الاسرائيلي وقضيّة العرب المركزيّة: فلسطين.كتب مجموعة من الافتتاحيّات، طارحاً أسئلة الديمقراطيّة، واضعاً فئة من المثقفين أمام مسؤوليّتها لأنّها شهدت بالزور أمام التاريخ، وظنّت للحظة أن الجيش الأميركي سيحررها من الطغيان، ويهديها التقدّم والحريّة على طبق من فضّة: «إن القضية، اليوم، هي قضية الحرب.

تغيير النظام نحو الديموقراطية هو العنوان النبيل المعطى لهذا العدوان وذلك في تكرار سمج لكل ما رافق الحملات الكولونيالية ـــ بما فيها الصهيونية ـــ من ادعاءات تمدينية» يكتب جوزف. ويضيف في افتتاحيّة أخرى، عشيّة سقوط بغداد: «لقد كان القرار متَّخَذا منذ فترة طويلة. وعندما سيكتب أحدهم تاريخ السنتين الماضيتين سيقول إن العالم شهد عملية خداع استثنائية. ولمّا لم تنجح تماما اضطرت واشنطن إلى رمي القناع والإعلان عن غايتها الفعلية». وفي افتتاحيّة ثالثة: «إن التمدد في انتظار البرابرة هو السمة الحالية للوضع العربي ـــ يكتب جوزف سماحة ـــ تمدد يتعايش مع ضرب الجسم في قلبه، وربما اقتطاع أجزاء منه. وهو لا يتعارض مع مساعدة كسولة لهؤلاء البرابرة تأخذ على «الرافضين» قولهم إنه في الإمكان أحسن قليلا مما هو كائن. ستعيش منطقتنا تضخما في العنف الموجه ضدها. إن «أم المعارك» أميركية هذه المرة (أيضا) وستتناسل منها ذرية متكاثرة».
مقالات راهنة على نحو مدهش، نضع بعضها اليوم بين أيدي القرّاء. إنّها طريقتنا كي نستحضر جوزف سماحة، عشيّة حملة همجيّة ستقتلنا وتمزّق دولنا ومجتمعاتنا وذلك من أجل «حريّتنا»... إننا نحتاج إليه إلى جانبنا اليوم في «الأخبار»، تماماً مثل أيّام البدايات في تمّوز/ يوليو ٢٠٠٦، حين كانت القذائف الاسرائيليّة بالاطنان تحارب «الهمجيّة» باسم الحضارة الغربيّة نفسها…
مقالات راهنة على نحو مدهش، نقرأها الآن وقد بدأ العد العكسي للهجمة الاستعمارية على المشرق العربي، مكتفين باستبدال «سوريا» بـ «العراق»، لنكتشف كيف أن العرب محكومون باللعنة ذاتها، لعنة الخضوع أمام الاستعمار، وتسليمه مقدراتهم ومستقبلهم ومصيرهم، خلف واجهة النيّات النبيلة والمشروع الحضاري. غداً في مثل هذا الوقت، أغلب الظن أننا سنكون قد دخلنا مرحلة جديدة من تاريخنا.