دمشق - أيام من الازدحام على الأفران في معظم المدن السورية؛ حيث انشغل الدمشقيون بتحضير «وسائل الصمود» في وجه التحديات الراهنة، فيما تسمّرت العيون أمام شاشات التلفزة تترقّب التطورات السياسية التالية.
الأفران الرئيسية الكبرى شهدت حالات تدافع بغرض الحصول على كميات أكبر من الخبز، خشية انقطاعه فيما لو حصلت الضربة الأميركية فعلاً. الأمر نفسه رصد في مدينة اللاذقية، التي خشي سكانها من ضربة بحرية متوقعة، إذ يقول محمد، خباز في إحدى القرى: «البعض يشتري كميات كبيرة من الخبز، وهو ما حاولنا ضبطه من خلال عدم إعطاء أي شخص كميات زائدة عن حاجة عائلته». يتابع الرجل حديثه عن وضع الأفران في المدينة بقوله: «الخبز متوافر كالمعتاد. يومان من الازدحام مرّا، وعندما اكتفى الناس من التمون بما يحتاجون إليه، عادت الأمور إلى طبيعتها. لم ينقطع الخبز يوماً واحداً من أفران المدينة».
محطات الوقود تشهد بدورها ازدحاماً دائماً، ولا سيما في العاصمة دمشق. وقد نالت حصتها من الضغط في طلب البنزين، إلا أنّ حسن، عامل في محطة وسط دمشق، يؤكد أن الوقود متوافر رغم الازدحام الشديد، وهو ما تفسّره الطوابير اللامتناهية من السيارات المتزاحمة على جميع محطات الوقود في المدينة. يسخر الشاب من الوضع بابتسامة متفائلة، ويقول: «الحمدلله ما فيه شي مقطوع بالبلد إلا نفَس العالم بانتظار الضربة العسكرية». إمكانية صمود الدمشقيين لن تحصل دون تأمين مستلزمات الأيام الصعبة المتوقعة، الأمر الذي تشرحه ملاحظة الوضع العام والتدقيق في ردود الأفعال الشعبية حيال احتمال الحرب القائم، حيث امتلأت البيوت بالمواد الغذائية المخزّنة التي تساعد الناس على التسمّر أمام شاشاتهم، وفي بيوتهم، أطول وقت ممكن، ريثما يظهر ما ستتمخض عنه الأحداث من حولهم.
وفي حين ارتفع سعر الدولار خلال يومين ليتجاوز 250 ليرة سورية، وليتراوح السعر حول هذا الرقم انخفاضاً أو ارتفاعاً، إلا أن إمكانية التصريف قليلة بسبب جمود الأسواق، والذي يترافق مع توتر الوضع الأمني والسياسي في المنطقة. يأتي ذلك في ظل تحفظ التجار على البيع والشراء، إلا لمن يرغب بالبيع بأسعار أقل من السعر الحقيقي، ولا سيّما في ظل الرقابة العالية للدولة السورية على الصرافة، وتشدّدها في القبض على المخالفين، والذي لم يتوقف في ظل الضجة الإعلامية المرافقة للتهديدات. فيما يلاحظ انخفاض سعر الدولار أو ارتفاعه عشرات الليرات بحسب حالة الخوف والترقب لدى السوريين.
شوارع دمشق تشهد حركة طبيعية خلال أوقات محددة من النهار، غير أنها تفرغ من سكانها وسياراتها بعد الظهر. إرادة الحياة لدى الدمشقيين تحاول أن تغلب أمزجتهم التي ساءت مع ظروفهم وأوضاع بلادهم، ما جعل التشاؤم يغلب على أيامهم. حركة النزوح داخل المدن ازدادت أيضاً، فيما شهدت الحدود عبور أكثر من 10 آلاف سوري نحو الأراضي اللبنانية، ضمن سياراتهم، ما يعطي انطباعاً واضحاً عن الأحوال المادية للاجئين. اللجوء الموقت إلى لبنان، يترافق مع نزوح بسيط بين المناطق السورية، ولا سيّما من دمشق والجنوب باتجاه الساحل. بالإضافة إلى تحرّك للمقيمين في مناطق قريبة من المواقع الاستراتيجية والمطارات باتجاه مراكز المدن. في وقت أصبحت استعدادات الجيش السوري حديث الشارع في الداخل، إذ إن تغيير المواقع ورفع حالة الاستنفار إلى أقصى درجاتها هي أبرز ما يسود الوضع العسكري الحالي. أحد العسكريين يؤكد لـ«الأخبار» أنّ لا خشية من مسلحي الداخل الذين لم يكونوا يوماً سوى أدوات بسيطة للعدو الخارجي، ولم يكن دورهم يتمثل إلا في التغلغل بين المدنيين وإرباك الجيش واستنزافه. ويشير الضابط إلى أنّ المعركة الإقليمية منتظرة منذ سنوات، تأخرت أو تقدمت، فلا ضير من أن يحين وقت إعلانها، ما دام الموت يخيّم على كل شيء في البلاد. يطيب للعسكري السوري الموت أمام عدو خارجي بدل «الموت بيد ابن البلاد وحلفائه التكفيريين».
وعلى الرغم من أن أثرياء دمشق هرّبوا عائلاتهم إلى العاصمة اللبنانية، خشيةً على حياتهم من الموت الذي يحاصر البلاد، يبقى السؤال عن أكثر ما يمكن أن يخيف سكان البلاد، وكيف يحصّنون أنفسهم؟ سؤال يجيب عنه سالم، طالب جامعي: «نتحصن في بيوتنا التي لا نملك إلا جدرانها. وأكثر ما نخشاه الفوضى ما بعد الضربة العسكرية». في حين تستهزئ سماح، مدرّسة، بما يُشاع عن أي ضربة محدودة لدمشق، معتبرة أنّ الأمر لا يتعدى التهويل الإعلامي لسحق معنويات الشعب السوري وفرض تنازلات على القيادة السياسية.
ليس أمر مواجهة التهديدات الأميركية لسوريا سهلاً على أبناء البلاد، الذين يحاولون مغالبة واقعهم بحس الفكاهة واختراع النكات، إلا أن احتمال قطع الاتصالات يشكّل رعباً آخر يخيّم على كوابيسهم. وفي الوقت الذي يسخر معظمهم مما ستؤول إليه الأوضاع، يرى كثيرون أن الأمور تسوء منذ أشهر طويلة، وهذا لم يضعف عزيمة الجيش، إذ بقي مؤيدوه يستمدون من قوته التفاؤل والاستمرار. وبينما ينتظر الجميع ما ستؤول إليه الأوضاع يواجه السوريون التهديدات بتموين ما يحتاجون إليه، وكتابة الوصايا الفايسبوكية، ومحاولة الابتسام، على أمل إيجاد حل سياسي يعفيهم من الحرب القادمة ونكباتها الإضافية.