القاهرة | صعّد الجيش المصري خلال اليومين الماضيين من حملته على الأنفاق التي تربط مصر بقطاع غزة، معلناً إقامة منطقة عازلة على طول الحدود مع القطاع، بغرض حماية الأمن القومي المصري ومكافحة الإرهاب في سيناء، ومنع تهريب السلاح عبر الأنفاق. غير أن ما لم يُعلنه الجيش، هو نيته تأديب حركة «حماس»، التي يتهمها بتدبير الفوضى في سيناء وتقديم الملاذ الآمن لبعض قيادات «الإخوان»، ومن بينهم من قيل إنه عُين مرشداً عاماً موقتاً، محمود عزت. وبحسب آخر تقديرات الجيش المصري، فقد أطاحت حملة هدم الأنفاق 240 نفقاً رئيسياً وفرعياً، بما يمثل نسبة 70 في المئة، غير أنها لم تكن كافية، فقررت السلطات الأمنية إقامة منطقة عازلة على طول الحدود. وقالت مصادر عسكرية مطلعة لـ«الأخبار»، إن «الحفاظ على الأمن القومي وتنفيذ إرادة سياسية بمحاربة الإرهاب» سبب رئيسي وراء قرار نقل القاطنين للمنطقة الحدودية برفح المصرية إلى الداخل بمساحة لا تقل عن 500 متر، مشيرة إلى أن «القرار غير تعسفي ولا يرتبط بالضغط على المواطنين في سيناء لأنهم أصحاب المكان، لكن التداعيات الأمنية المتعلقة بالأمن القومي المصري هي المحرك الرئيسي والهدف الأوحد للقوات المسلحة المصرية حالياً». من جهته، يقول المحلل الفلسطيني الدكتور سمير غطاس، لـ«الأخبار»، إن «الأنفاق في شبه جزيرة سيناء تنقسم إلى شقين: الأول منتشر على الحدود مباشرة لتهريب البضائع الخفيفة والأغذية ومواد الطاقة المختلفة، وهذا النوع من الأنفاق سيطرت عليه قوات الجيش من خلال الردم بطريقة «الهندسية العسكرية»، مستخدمة فيه مياه الآبار لردم الأنفاق وإغراق الجزء الأخطر». وقال إن الجزء الأخطر هو الأنفاق التي موّلتها «حماس» وشقتها بأدوات أكثر تطوراً، وهي تتسم بمخارج ومداخل داخل منازل أقاربهم القاطنين في رفح المصرية.
ويؤكد غطاس أن «أهالي سيناء من المصريين، المستفيدين مادياً من هذه الأنفاق، يتقاضون أموالاً طائلة كمكافأة لتهريب الاسلحة والخارجين عن القانون من الجماعات المسلحة والارهابية والتكفيرية، ولهذا فإن المعركة الشرسة التي تدور حالياً عند المنطقة المتاخمة للحدود المصرية متعلقة بصراع البقاء بالنسبة إلى حركة «حماس» وصراع أمني قومي للجيش».
وبحسب الغطاس، فإن «القوات المسلحة أنذرت أهالي سيناء القاطنين في هذه البقعة الحيوية الاستراتيجية المهمة منذ نحو أسبوعين وأوصتهم بضرورة المصارحة بالكشف عن مداخل الأنفاق ومخارجها لتتم السيطرة على المنزل دون التعرض لهدمه، لكن أهالي هذه المنطقة المستفيدين مادياً من عمليات التهريب تجاهلوا الموقف، وبناءً عليه رفعت القوات المسلحة من نبرتها وحذرت من عمليات هدم لهذه المنازل، ثم هدمت منزلين». وأشار الى أن «القوات المسلحة المصرية قررت توفير مساكن بديلة لهذه الأسر، لتعويض الأهالي عن منازلهم التي هدمت».
من جهة ثانية، أوضح عدد من النشطاء السياسيين في مدينة رفح المصرية لـ«الأخبار»، أن القوات المسلحة طلبت من الأهالي ضرورة تنفيذ عملية إخلاء مساحة 500 متر بعمق المدينة الحدودية، وذلك لأنّ سيطرة «حماس» على المنطقة المصرية، بشكل غير مباشر، تعرقل عملية هدم الأنفاق في المنطقة.
ويقول أحد أهالي رفح، حسن حندوش، إن مساحة المنطقة العازلة مرتبطة عرقياً وقبلياً بقطاع غزة، وإن 60 في المئة من سكان منطقة الـ 500 متر برفح المصرية ينتمون إلى عائلة البراهمة، التي ينتمي إليها المتحدث الرسمي باسم حركة «حماس»، فوزي برهوم. ويشير إلى أن قبيلة البراهمة بمساعدة قبيلة المنايعة يحاولون الآن تأجيج الموقف وتغيير الحقائق وتهويل قرار الجيش وتفريغه من مضمونه، حيث يعملون على إيصال رسالة لأهالي سيناء ممن سيطبق عليهم القرار، تقول إن قرار القوات المسلحة يندرج تحت «قرارات التهجير والإقصاء القسري للسكن»، لكسب التعاطف الدولي؛ لأن المخطط هو تدويل القضية ذلك، بحسب الراوي.
ووفقاً للمعلومات التي جمعتها الأجهزة السيادية، فإن مساحة الـ«15 كيلومتراً» على طول الحدود المصرية مع القطاع تُعَدّ «قنبلة موقوتة»؛ لأنها «مركز أعمال التهريب بواسطة الأنفاق التي حفرتها «حماس» وأدارت من خلالها لوبي تجارياً لاستيراد السلع الاستراتيجية إلى الجانب الآخر وتوريد السلع المهربة، سواء كانت غذائية، طاقة، سلاح، مواد بناء، وأجهزة إلكترونية، إلى جانب عملية تسلل الخارجين عن القانون». فيما يؤكد أحد أبناء سيناء سعيد، إعتيق، لـ«الأخبار»، أن «الأزمة الحقيقة التي يعيشها الشارع السيناوي هو مثوله لتطبيق القرارات الصادرة عن الدولة دون مراعاة الظروف الاقتصادية الخاصة بأهالي سيناء؛ فرغم أن الحالة الاقتصادية لأهالي المنطقة الشرقية من سيناء جيدة، لكن يوجد بعض الأسر التي لا تقوى على تحمل تكاليف النقل إلى سكن بديل بشكل سريع، وخصوصاً أن الاقتراحات التي قدمتها القوات المسلحة كانت توفير «مخيمات لهم عند منطقة الجندي المجهول»، وهو ما يتناقض مع طبيعة السكن في مدينة رفح، التي تتسم بالتحضر.