القاهرة | «ذهب وكلنا أمل بأنه سيعود»، عبارة تلخص حال الكثير من الأسر التي فقدت أحد أفرادها خلال الأحداث الأخيرة؛ مفقودون لم يعرف الأهالي لهم عنواناً منذ اختفائهم عند فضّ اعتصامي «رابعة العدوية» و«النهضة» وما تلاهما من أحداث. هؤلاء ليسوا بالضرورة على قيد الحياة، وقد يكونون شهداء لم يصل إليهم أحد بعد، أو معتقلين لم تُفصح الجهات الأمنية عنهم، أو فاقدين للوعي والذاكرة داخل مستشفيات القاهرة.أسر مكلومة، وقلوب منفطرة على أحد أحبّتها، تجدها في كل محافظة، تبكي ابناً أو بنتاً اعتُقلت بتهم تبدأ بحيازة سلاح ولا تنتهي بالتحريض على القتل.
المعتقلات من النساء عند منتصف الليل من قبل قوات الأمن، أو زوار الفجر كما هو متعارف عليه لدى الإسلاميين وبعض المصريين، أمر بات عادياً رغم ثورة «25 يناير» التي خرجت فيها المرأة ثائرة ضد هذه الأفعال الأمنية المباركية، نسبة إلى نظام حسني مبارك، حيث حصل بعد عزل الرئيس محمد مرسي ما لم يكن متوقعاً؛ ووجه الاسلاميون بضراوة، ما أدى إلى اعتقال عدد من الفتيات القاصرات بتهم حيازة أسلحة تارة، وحمل «بوستر رابعة» تارة أخرى.
يعدّ المفقودون بالعشرات وربما المئات؛ العدد لم يحسم بعد، سواء من قبل المنظمات الحقوقية أو من جانب الحكومة المصرية، غير أن جهوداً فردية بدأت قبل أيام قليلة لإحصاء عدد المفقودين، ولكنّها لم تنته بعد من عملها. وهذه الجهود تابعة لجهتين غير متعاونتين؛ الأولى تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، والثانية لحملة دشنت عبر موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» تحت عنوان «اعرفوهم»، حيث تقوم بعرض صور المفقودين والمعتقلين والشهداء منذ فض اعتصام «رابعة» حتى أحداث جمعة 30 آب، وتوثق هذه الصفحة الحدث باللغتين العربية والإنكليزية.
ورغم أهمية القضية وخطورتها، التزم سياسيّو مصر وحقوقيّوها الصمت، إلا قليلاً منهم، شأن البرلماني السابق مصطفى النجار الذي قال إن اعتقال النساء لم يحدث في أعتى عصور الاستبداد، مضيفاً «حسبي الله ونعم الوكيل في ما تقوم به ميليشيات الانقلاب من اعتقال السيدات والبنات».
وأسفرت الأحداث الأمنية عن اعتقال عدد غير محدد من الفتيات المعتصمات في الميادين، بعضهن قاصرات، ومُنع أهلهن أو محاموهن من زيارتهن. عند اقتحام الجيش لمسجد أبو بكر قرب غمرة في حي رمسيس، على سبيل المثال، اعتقلت القوات الأمنية عدداً من الفتيات وسجنتهن في معسكر السلام. ورفض المسؤولون عن المعسكر بعد ذلك دخول محاميهن أو السماح لأهاليهن برؤيتهن، بحسب ما نشرت الناشطة الحقوقية عايدة سيف الدولة عبر صفحتها الشخصية على «فايسبوك».
وطبقاً للمحضر الرقم 3441 التابع لنيابة باب الشعرية، فإن المعتقلات متهمات بإحدى التهم السبع الآتية: «حيازة سلاح، إرهاب مواطنين، كسر حظر التجوال، الانتماء إلى جماعة إرهابية، الانتماء إلى جماعة محظورة، ترويع المواطنين، إتلاف المنشآت العامة»، وبناءً عليه تم تجديد حبسهن 15 يوماً على ذمة التحقيقات. وتتراوح أعمار هؤلاء المعتقلات ما بين 17 عاماً و40 عاماً. وكانت صفحة عايدة قد رصدت أسماء 20 فتاة، 3 منهن من أسرة واحدة.
كريم محمد سمير، شاب عشريني، كل طموحه أن يحيا في وطن حر وينعم بحياة كريمة. شارك في ثورة «25 يناير» ضد نظام مبارك حتى تم إسقاطه، واستمر في نشاطه لمحاربة الفساد ضد مجلس طنطاوي العسكري حتى تم إجراء انتخابات رئاسية، لكنه قاطع الانتخابات لإيمانه بمبادئ الثورة التي لا يستطيع محمد مرسي أو أحمد شفيق تحقيقها. وبعد فوز مرسي لم يشارك في أي تظاهرات لإعطائه فرصة الحكم. وعندما اتضح له أن مرسي أخلف وعوده، نزل الى الشارع للتظاهر من جديد، وشارك في عدة فعاليات، منها فعالية البرسيم أمام منزل مرسي، وفعالية النائب العام الإخواني أمام دار القضاء، وأخرى أمام منزل وزير الداخلية احتجاجاً على قتل المتظاهرين، كما شارك بقوة في حملة «تمرد» التي كانت سبباً رئيساً في إسقاط مرسي. لكن تم إلقاء القبض عليه ووجّهت إليه تهمة الانضمام الى فصيل كان يحاربه كريم، وهو «الإخوان المسلمون».
«اعتُقل ولم يعد»، هي حال كريم الذي اعتُقل في العشرين من الشهر الماضي، أثناء اعتراضه على طريقة تفتيش ضباط الجيش له عند إحدى نقاط كوبر المظلات في شبرا الخيمة، فضُرب ضرباً مبرحاً، ثم جرى تسليمه الى أحد الأقسام القريبة، حيث ظل منتظراً قرابة ثلاث ساعات، قبل أن يصل شرطي ويحرر له محضر بتهمه محاولة الهرب من نقطة تفتيش تابعة للجيش، والعثور على صورة للرئيس المعزول محمد مرسي ومنشورين بعد مطاردته، إضافة الى الاعتداء على الضباط، كما يروي أحد أصدقائه لـ«الأخبار». أُودع كريم في الحجز، قبل أن يُعرض في اليوم التالي على النيابة العامة بتهمة الانضمام إلى جماعة «الإخوان المسلمين». ولمّا كانت التهمة باطلة، أخلت النيابة سبيله وطلبت منه العودة لاحقاً، حيث تم عرضه على نيابة أمن الدولة للتحقيق معه. وهناك تم الاعتداء عليه، ووجهت له 5 تهم تتمثل في «الانضمام إلى تنظيم الإخوان المسلمين، تكدير السلم العام، قلب نظام الحكم، التحريض ضد الجيش والشرطة، الذهاب إلى رابعة العدوية»، قبل أن يصدر قرار بحبسه 15 يوماً على ذمة التحقيق.