تونس | في تطور مفاجئ، حاول عدد من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي من كتلة حركة النهضة في تونس اقتحام مكتب رئيس المجلس، مصطفى بن جعفر، مطالبين بمفاتيح قاعة الجلسات لعقد جلسة عامة استثنائية بعد رفض الرئيس استئناف أعمال المجلس، في وقت توقفت فيه المفاوضات بسبب رفض وفد الترويكا الحاكمة للمرة الثانية اقتراحات جبهة الإنقاذ وتمسك الوفد بمهلة شهر لاستقالة الحكومة.
وبينما أعلن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، حسين العباسي، أمس قرب الإعلان عن فشل المفاوضات وهدد بمصارحة الشعب بالحقائق الأربع التي قال إنها تعطل المفاوضات، سعى نواب «النهضة» وعدد آخر من حلفائهم من كتلتي حزبي «المؤتمر من أجل الجمهورية» و«حركة وفاء» على ما يبدو الى عقد جلسة تشاور لاختيار رئيس جديد للمجلس عوضاً عن بن جعفر، الذي لا يزال متمسكاً بتعليق أشغال المجلس إلى حين انطلاق الحوار الوطني حول تشكيل حكومة كفاءات. وهو ما يطالب به حزبه «التكتل من أجل العمل والحريات»، الذي انضم إلى مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل والمنظمات التي ترعى الحوار الوطني.
هذا التطور الغريب جاء بعد تهديد نائب رئيس كتلة «النهضة» وليد البناني المحسوب على الجناح المتشدد في النهضة بالاعتصام داخل المجلس الوطني التأسيسي إلى حين استئناف الأشغال.
والجدير ذكره أن البناني تتهمه المعارضة بعلاقاته المريبة مع تنظيم أنصار الشريعة، بعدما اكتشف المحققون في قضية جبل الشعانبي أن أحد الموقوفين يحتفظ برقم هاتفه، وخاصة أنه نائب عن محافظة القصرين، حيث تقع معاقل الجهاديين.
وفيما طالب أكبر أعضاء المجلس سناً الطاهر هميلة، المنشق عن حزب «المؤتمر» بمقاضاة بن جعفر، سيلتقي العباسي اليوم وفد المنظمات الراعية مع وفد جبهة الإنقاذ، لكن كل المؤشرات تؤكد أن الحوار أصبح بلا معنى.
مقربون من وفد المفاوضات من النقابيين أكدوا لـ«الأخبار» أن هناك اختلافات تشق «النهضة» بسبب الموقف من المعارضة ومن خريطة الطريق المقترحة. وأكدوا أن هناك شقاً يقوده رئيس الحكومة علي العريض، يرفض أي تنازلات مهما كان الثمن. ويبدو أن مخاوف «النهضة» من المحاسبة القضائية بعد خروج وزرائها من الحكم هي التي تقف حجر عثرة أمام تقديمها أي تنازلات حقيقية في انتظار الانتخابات المقبلة التي تعمل على الفوز بها مهما كان الثمن.
من جهتها، حذرت أحزاب المعارضة من احتمال تزييف الانتخابات، كما أشار السفير الأميركي لدى تونس جاكوب والس، الى أنه لا تتوفر إلى حد الآن بيئة ملائمة للانتخابات النزيهة والشفافة.
ويبدو أن بعض وزراء «النهضة» وقياداتها يحملون خوفاً حقيقياً من احتمال العودة إلى السجون، وهو الخطاب الذي يروجونه لقواعدهم حتى يضمنوا الولاء ويدفعوهم إلى «الصمود والمقاومة».
وإذا كانت حركة النهضة ترفض أي تنازل وتحت أي اعتبار أو ضغط باسم «الشرعية»، التي ترى غالبية القوى السياسية حتى القريبة من «النهضة» أو حليفتها أنها لم تعد كافية وتحتاج إلى شرعية التوافق، فإن جبهة الإنقاذ بدأت تعد العدة لمعركة الحسم يوم ٧ أيلول بمناسبة أربعينية الشهيد محمد البراهمي.
وإذا لم تجد الحكومة و«النهضة» مخرجاً قبل العودة المدرسية والجامعية التي ستكون في منتصف الشهر الجاري، فإن كل المؤشرات تؤكد أن الخريف سيكون قاسياً هذا العام، ليس بالنسبة إلى حركة النهضة وحليفها حزب المؤتمر فقط، بل على البلاد التي أكد كل خبراء الاقتصاد والمال أنها عاجزة تماماً عن الصمود أكثر أمام الاحتقان الاجتماعي وغلاء الأسعار وتدهور الاقتصاد وغياب فرص الاستثمار. وهو ما يرشح البلاد لسيناريوهات سيئة لا أحد يتوقع كيف ستنتهي ومتى.
كل المؤشرات تؤكد أن الغضب الشعبي يوشك على الانفجار، وأن الحكمة تقتضي نزع الفتيل قبل أن يشتعل.
وفي هذا السياق من اليأس والإحباط، أعلن مكتب رئيس المجلس الوطني التأسيسي أنه سيوجّه غداً بياناً إلى الشعب يشرح فيه تطورات الساعات الأخيرة في غياب تام للرئيس المؤقت محمد المنصف المرزوقي، الذي كان مشغولاً بقضاء إجازة في مدينة سوسة.