تونس | لم تكن زيارة رئيس حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي، للجزائر أمس مصادفة، رغم العلاقة الشخصية التي تربطه بالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة منذ الخمسينيات، أيام النضال ضد الاستعمار الفرنسي. فقد جاء استقبال الأخير لشيخ السياسة التونسية غداة لقاء مماثل مع خصمه رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، وبعد أيام من استقبال مبعوث الرئيس المؤقت محمد المنصف المرزوقي. ولئن صمتت حركة نداء تونس عن تفاصيل لقاء رئيسها مع الرئيس الجزائري، فإن حركة النهضة قالت في بيان رسمي، إن السبسي زار الجزائر للاطمئنان إلى صحة بوتفليقة بعد عودته للنشاط. أما بيان الرئاسة الجزائرية، فقد ذكر أن اللقاء تركز على دفع التعاون الثنائي بين البلدين، وكذلك بيان حركة النهضة.
ويبدو أن صمت «نداء تونس» إلى حد ظهر أمس لا يكشف حقيقة اللقاء، حسبما يذهب إلى ذلك عدد من المتابعين للشأن التونسي. ذلك أن الجزائر معنية بالدرجة الأولى باستقرار تونس الذي لن يتحقق من دون تجاوز المرحلة الانتقالية التي تعيشها منذ ثلاث سنوات.
لذلك بات واضحاً أن الجزائر دخلت على خط المفاوضات بين الفرقاء السياسيين، وخاصة بين الحزبين الأساسيين، في ظل استمرار الأزمة السياسية الاقتصادية وغياب الوفاق. اللافت أن زيارتي السبسي والغنوشي للجزائر تزامنتا مع قرب انتهاء المهلة الأخيرة التي أعلنتها المنظمات الراعية للحوار في تونس، والتي حددها الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، حسين العباسي، بثلاثة أيام تنتهي غداً. مهلة طلب خلالها العباسي من كل الأحزاب، الاتفاق على صيغة للوفاق، وجدد مطالبته باستقالة الحكومة وحل المجلس الوطني التأسيسي وتشكيل حكومة كفاءات خلال شهر على أقصى تحديد. وتتزامن زيارة «الشيخين» كما يسمونهما في تونس، مع عودة الرئيس المرزوقي للظهور بعد الطارئ الصحي وغيابه عن أي نشاط رسمي.
المرزوقي بادر الى استقبال عدد من قادة الأحزاب في محاولة لاستعادة زمام المبادرة وسحبها من اتحاد الشغل، في الوقت الذي استأنف فيه المجلس التأسيسي نشاطه بعد شهر من التعليق. خطوة أثارت النواب المنسحبين الذين جددوا تمسكهم بحل المجلس حل الحكومة وهددوا بالتصعيد والدخول في إضرابات جوع وحشية.
وفي الوقت نفسه، هدد الاتحاد العام لطلبة تونس، الذي تسيطر عليه التنظيمات اليسارية، بإعلان الإضراب المفتوح وتعليق العودة الجامعية الى حين إسقاط الحكومة. من جهة أخرى، واصلت نقابة الأمن الجمهوري كشف «مجموعة من الحقائق» عن تورط عشرين من قادة الأمن في اغتيال الشهيدين البراهمي وبلعيد، وذلك على أثر توقيف عضو النقابة وليد زروق بتهمة «نشر أخبار كاذبة» من شأنها «تعكير النظام العام». وكانت نقابة الأمن قد كشفت عن تورط قيادات من «النهضة» وتنظيم أنصار الشريعة في اختراق أجهزة الأمن، وهي المعلومات نفسها التي كشفتها نقابة الاتحاد العام للأمن الوطني. وكان لهذه المعلومات تأثير كبير في الشارع التونسي الذي يعتقد جزء كبير منه أن «النهضة» تغطي الجماعات الدينية المتطرفة.
وسط هذا الاحتقان والخوف من عمليات إرهابية، تستعد العائلات التونسية للعودة المدرسية يوم ١٦ من الشهر الجاري في وضع اقتصادي صعب وارتفاع جنوني للأسعار وانهيار للدينار، في وقت حذر فيه محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري، من الانهيار الاقتصادي الذي يهدد البلاد إذا تواصلت الأزمة السياسية.