مقاربات عديدة للاتفاق الروسي ــ الأميركي ظهرت في الصحف العبرية، لكن الأخيرة أجمعت على صعود نجم موسكو في المنطقة وتحوّلها إلى رقم صعب، بالتوازي مع مسلّمة بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة من موقع المتحكم بسير الأحداث في بلاده.
ورأى المعلق السياسي في صحيفة «معاريف»، شالوم يروشالمي، أنّه «يمكن النظر إلى الاتفاق الروسي ـــ الأميركي من زوايا عدة، إذ على عكس رجال الرئيس باراك أوباما الذين يرونه إنجازاً أميركياً؛ لكونه تحقق بعد تهديد الرئيس، من المحتمل أن يكون التهديد الذي نجح في تحقيق هدفه كان تهديد الرئيس بشار الأسد الذي وعد بإحراق الشرق الأوسط، فردع بذلك الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين وكل الآخرين الذين لم يرغبوا بالتورط في مغامرة شرق أوسطية أخرى».
أما المعلق الأمني في صحيفة «معاريف» عمير ربابورت، فقد رأى أنّ «التسوية تتضمن كما يبدو استمرار حكم بشار الأسد، وهو أمر من الصعب جداً فهمه من منظور إسرائيلي»، مضيفاً أنّ «محادثات مع أصحاب القرار ومحافل رئيسية، جرت في الأسابيع الأخيرة في واشنطن ولندن، تضيء الصورة بنحو أوضح». وأكد أنّ «أوباما اعتزم حقاً مهاجمة سوريا، لكن في الطريق إلى التنفيذ بدا أنّ شيئاً ما تغيّر... وأوله الموقف الروسي». وينقل ربابورت أنّ محافل أميركية لا تخجل من الاعتراف بأن ميولاً انعزالية تقليدية أميركية تتزايد جداً، وتنظر إلى التطورات من خلف المحيط على أنها «ليست من شأننا».
وشدّد ربابورت، على أنّ «التسوية التي يتحدثون عنها الآن هي المخرج الأفضل لكل الأطراف، فمن جهة تُثبت مكانة روسيا قوةً عظمى شبه مساوية للولايات المتحدة، كذلك يمكن أوباما أن يدعي أنّ التهديد الملموس بالهجوم سيؤدي إلى نزع السلاح الكيميائي من سوريا».
ويرى المتفائلون أنّ مساراً مشابهاً إزاء إيران، يمكن أن يحقق النتائج نفسها في المستقبل. أما الأقل تفاؤلاً، فيرون أن السلوك الأميركي يبثّ رسالة ضعف ويشجع طهران على مواصلة برنامجها النووي، انطلاقاً من فرضية أنّ الولايات المتحدة ستجد دوماً المبرر لعدم الهجوم. وعلى المستوى السوري، ينقل ربابورت أنّ التقديرات تشير إلى أنّ الحرب هناك ستستمر بهذا الشكل أو ذاك، حتى لو دخلت التسوية حيز التنفيذ.
أما معلق الشؤون العربية في صحيفة «هآرتس»، تسفي برئيل، بالرغم من أنّه شكك في فوائد هذا الاتفاق، لكنه رأى أنّه يكرس عدداً من السوابق المهمة، ولا يستطيع حل الأزمة داخل سوريا أو يضع حداً للقتال؛ إذ للمرة الأولى تفرض روسيا على الرئيس الأسد شروطاً تتضمن جدولاً زمنياً ولا تكتفي بتوصيات.
الاتفاق انتصار للأسد
بموازاة ذلك، رأى الخبير في الشؤون السورية، البروفيسور ايال زيسر، أنّ «كل من قدَّر أنّ سقوط نظام الأسد مسألة وقت تبيّن أنه واهم»، مشيراً إلى أنّ «الاتفاق الذي يعلق الخطة الأميركية لضرب الجيش السوري، يمنح الأسد تفوقاً كبيراً في حربه ضد أعدائه في الداخل». وأكّد أنّه «لا يحتاج إلى الأسلحة الكيميائية كي يتغلب على أعدائه في الداخل، ولا حتى لردع إسرائيل».
ورأى، أيضاً، أنّ هذا السبب هو الذي جعل الروس يوافقون، بعد موافقته، على التخلي عن سلاح يوم القيامة مقابل منحه الحصانة من الصواريخ التي كان الأميركيون عازمون على ضربه بها، وكان يمكن أن تسقط النظام السوري. وتابع زيسر بالقول إنّ طريق النصر فُتح أمام الأسد، لكنه ما زال طويلاً؛ إذ ما زال عليه التغلب أولاً على «أسراب جراد» المتمردين، مؤكداً أنّ النصر الكامل سيكون في جيبه بعد قليل من الصبر وضبط النفس.
من جهته، رأى بوعز بسموت، في صحيفة «إسرائيل اليوم»، أنّ الاتفاق هو من نوع الاتفاقات التي ترضي كل الأطراف، تقريباً، مشيراً إلى أنّ الطرف الوحيد الغاضب هو المتمردون في سوريا.
بعد سوريا ابحثوا عن إيران
في المقابل، رأى تشيلو روزنبرغ، في صحيفة «معاريف»، أنّ انتقال الولايات المتحدة من المبادرة إلى الرد والانجرار وراء اقتراحات غير واقعية بالنسبة إلى سوريا من شأنه إلحاق أضرار جسيمة للغاية، بمن تعتبر نفسها القوة العظمى في العالم؛ إذ إنّ قبول الاقتراح الروسي من قبل واشنطن، كحلّ ممكن دون مهاجمة سوريا، معناه تحول المنطقة كلها إلى إيران.
إلى ذلك، رأى السفير الإسرائيلي السابق في الأردن والاتحاد الأوروبي، والباحث في معهد أبحاث الأمن القومي، عوديد عيران، في مقالة له في صحيفة «معاريف» أنّ المقارنة بين استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا وبين البرنامج النووي الإيراني هي مقارنة مصطنعة. رغم ذلك، رأى عيران أنه لا يوجد لدى المسؤولين الإيرانيين ما يدعوهم إلى الاحتفال عندما أظهر أوباما تردداً وامتناعاً عن استخدام جيشه.
ولفت إلى أنّ استعداد روسيا للتعاون مع المبادرة الأميركية في تقييد سوريا هو سابقة سهلة بالنسبة إلى زعماء إيران، الذين لا بد أن ينظروا بقلق إلى السابقة التي يحتمل أن تستخدم ضدهم في المستقبل أيضاً.