تأسست فرقة الرقة للفنون الشعبية في أواخر ستينيات القرن المنصرم. تحديداً في العام الذي تأسست فيه فرقة كركلا اللبنانية، على يد الموسيقار اللبناني عبد الحليم كركلا عام 1968. تخصصت فرقة الرقة بالتراث الشعبي، توالت نجاحاتها، وذاع صيتها. تخطت خارطة الوطن العربي. مخرت عباب البحر الأبيض المتوسط وصولاً إلى القارة الأوروبية. عرضت أْعمالها على مسارح لندن وباريس وايطاليا وبلجيكا والبرتغال واليونان... حصدت المركز الأول في باريس عام 1986 عن عملها «برج عليا»، ونالت الوشاح الذهبي بمنافسة 76 فرقة عالمية.
اكتسبت الفرقة خلال ثلاثة عقود شهرة واسعة وارتبط اسمها بشخصيات هامة أمثال الفنان نوري اسكندر والملحن العربي زكي ناصيف، الذي لحن أغلب أغاني الفرقة، والملحن شربل روحانا، والباحث والشاعر الأستاذ محمود ذخيرة الذي كتب للفرقة عدداً من أشهر عروضها الغنائية.
كتب الدكتور والأديب الراحل عبد السلام العجيلي معظم الأعمال المسرحية لفرقة الرقة للفنون الشعبية سراً، وحمل سره طيلة سنوات حياته احتراماً لمشاعر مجتمع ريفي نشأ ضمنه.
وقال الأديب الراحل عن الفرقة، «لم يضع أفرادها في بالهم أن يحترفوا الفن، أتوا من مدارسهم مدفوعين بحبهم للموسيقى والرقص والغناء، ليتابعوا تمارينهم القاسية والمستمرة بإدارة هذا الفنان (إسماعيل العجيلي) العصامي المبتل في محراب الفن، وليستمروا في أداء أدوارهم في الفرقة، طالما ظلّوا في عمر الشبيبة».
يقضي إسماعيل العجيلي، وهو مدرب ومؤسس فرقة الرقة للفنون الشعبية، أيامه متنقلاً بين دمشق وبيروت.
ويروي لـ«الأخبار» كيف هرب هو وأعضاء فرقته من مدينة الرقة بعد اتهامهم بالزندقة. «وردنا أكثر من تهديد قبل دخول الكتائب الإسلامية المسلحة إلى المدينة، وكنا على موعد مع القصاص العادل. فور دخولهم المدينة، وأثناء انشغالهم بجمع «الغنائم» وتقاسم أثاث وآليات المؤسسات الحكومية، كانت الفرصة مواتية للفرار والنجاة من الرصاص والدخان الأسود».
25 راقصاً وراقصة هربوا في حلكة ليل آذار 2013، قاصدين مدناً ومحافظات أكثر أماناً بعد أن لفظتهم بيارق السواد الأعظم الذي طغى على المدينة.
ويضيف العجيلي، «خرجنا من مدينة الرقة التي لطالما كنا أوفياء لها، كيف لا؟ وهي التي جُبل ترابها بعرق جهدنا وتعبنا على مدى عقود».
شكلت الفرقة لوحة بانورامية جميلة. الأعضاء من مختلف المحافظات والمدن السورية، طرطوس، والرقة، وسلمية والقامشلي، واللاذقية وحمص، شباب معظمهم انضم للفرقة في المرحلة الثانوية وتابع فيها حتى أنهى دراسته الجامعية.
قدمت الفرقة عرضاً مسرحياً غنائياً في بادية تدمر في شهر تشرين الأول عام 2008 بحضور الرئيس السوري بشار الأسد، وأمير قطر آنذاك حمد بن خليفة آل ثاني. لوحة فلكلورية بعنوان: العرس. قدمتها الفرقة بطلب من أمير قطر المولع بالتراث البدوي السوري.
بدأت العروض القطرية السخية تنهال على الفرقة الآن. اتصالات مستمرة بين الهيئات الثقافية الحكومية القطرية ومدرب الفرقة إسماعيل العجيلي.
«مضى على خروجنا من الرقة خمسة أشهر. ولم تهدأ الاتصالات القطرية. عروض كبيرة قدمت لنا، عقود بآلاف الدولارات. رواتب لجميع الأعضاء. وضمانات اجتماعية وإقامات عمل دائمة. كان جوابنا الرفض القطعي»، يروي العجيلي. ويضيف: «يستحيل أن تصافح يداً ملطخة بدماء أهلك وشعبك حتى لو كان البديل تشرذم الفرقة وانهيارها. المال لا يعوضك عن الوطن، والعراقة السورية المتجذرة لا يُمكن أن تدجن في ثقافات ومجتمعات هجينة».
لا سبيل الآن لإعادة إحياء الفرقة سوى بإيجاد جهة راعية. لا يعرف العجيلي أن كان لدى وزارة الثقافة السورية رغبة في احتضان الفرقة.
الفنان إبراهيم الأخرس، الرجل الستيني، عازف الربابة، وأيقونة الفرقة، مطارد هو الآخر بتهمة الزندقة. لا يزال فاراً من وجه العدالة، لكن إلى متى؟
يتنقل مع ربابته من منزل لآخر ومن مدينة إلى أخرى. استولوا على سيارته، واعتقلوا ابنه على ذمة التحقيق. الأخرس الذي ورث جمال الصوت عن والدته رافق الفرقة منذ عام 1984 حتى الآن حيث يتوارى عن الأنظار خوفاً من «عدالة السماء».
إن رعاية فرقة الرقة للفنون الشعبية وضمان استمراريتها ليس إلا جزءاً من الحفاظ على التراث السوري العريق. حماية هذا الإرث الأصيل واجب أخلاقي ووطني. فقدت الرقة بعض هويتها في ظل ما يحدث فيها من صراعات. إلا أن صوت الربابة لا بدّ أن يصدح في ربوعها يوماً ما.