القدس المحتلة | اقتحم مئات المتدينين اليهود المتشددين صباح أمس باحات المسجد الأقصى، يرافقهم عناصر من القوات الخاصة الإسرائيلية، انتشروا بكثافة في باحات الحرم. ووضعت قوات الاحتلال السلاسل على بوابات المسجد، بينما حاصرت المعتكفين وطلبة مصاطب العلم، الذين توافدوا أول من أمس لحماية المسجد من الاقتحامات المحتملة للمستوطنين اليهود مع حلول «عيد العرش»، قبل أن تسمح لهم بمغادرة المسجد. ومنعت قوات الاحتلال المصلين من كافة الأعمار من دخول المسجد، تمهيداً لتهيئة الأجواء أمام المستوطنين لأداء طقوسهم الدينية احتفالاً بأعيادهم التي تمتدّ على مدار الأسبوع المقبل، فيما كشفت القناة الثانية العبرية أن أعداد اليهود المتوقع دخولهم المسجد الأقصى في العيد سيزيد على مليون يهودي.
ويأتي هذا الاقتحام بعد دعوات أطلقتها منظمات «لمسيرات يهودية مليونية» في القدس، تزامناً مع حلول «عيد العرش»، وبعد يوم واحد من «تفويض» الكنيست المستوطنين اليهود بدخول الحرم القدسي للاحتفال بأعيادهم الدينية.
ولم يكن منع المصلين من كافة الأعمار من دخوله إلا ترجمة عمليّة لتصريحات رئيس صندوق الهيكل، يهودا جليك، في الكنيست أول من أمس، التي دعا فيها إلى عدم السماح لغير اليهود بدخول «جبل الهيكل» في فترة الأعياد اليهودية.
لعلّ المناسبات الدينية في إسرائيل أصبحت فرصة لتكريس المشاريع التهويدية والاستيطانية، والتنغيص على الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة وخارجها، من خلال إغلاق المعابر وتشديد الإجراءات الأمنية، حتى تكتمل «فرحة العيد».
وردّاً على قرار الكنيست، واقتحام المستوطنين، طالب المجلس الوطني الفلسطيني «الاتحادات البرلمانية الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الاتحاد البرلماني الدولي باتخاذ إجراءات ضد الكنيست الإسرائيلي وفي مقدمتها طرده من الاتحاد باعتباره عضواً فيه».
من جانبه، قال أمين سر الهيئة الإسلامية العليا في القدس المحتلة، تيسير التميمي، لـ«الأخبار»، إن «قرار الكنيست يهدف إلى إضفاء الصبغة القانونية على اقتحام المسجد الأقصى، تمهيداً لتحويل المسجد إلى كنيس يهودي»، مضيفاً أن «إسرائيل منذ سنوات تدعم الجماعات اليهودية من خلال أذرع الحكومة المختلفة، والآن تدخل الكنيست، لإضفاء الصبغة القانونية، بحيث إنّ من يتصدى لهذه الجماعات مستقبلاً، أو يحاول أن يمنعها، سيكون قد خالف القانون ويقدّم للمحاكم ويودع داخل السجون. وبالتالي سنكون نحن الضحية، وسنوصف بالجناة، وستصبح إسرائيل المحتلة هي صاحب الحق».
ورأى التميمي أن إنهاء الانقسام الفلسطيني هو حجر الزاوية في الدفاع عن المسجد الأقصى، مشيراً إلى أن القدس «هي بؤرة الصراع المركزية بين الأمة بكاملها والمشروع الصهيوني، وإذا لم يتوحد الشعب الفلسطيني فسنعطي المبرر للعرب وللمجتمع الدولي للعزوف عن القيام بواجبهم تجاه القدس».
وأضاف: «لولا هذه الحالة من الضعف والصمت العربي والإسلامي لما كان للكنيست أن يتخذ قراره الأخير، وما كان لجماعات اليهودية أن تواصل جرائمها تجاه المسجد الأقصى المبارك».
وبخصوص ادّعاء إسرائيل أنّ السماح لليهود بممارسة طقوسهم الدينية تقتضيه «المبادئ الديموقراطية» التي تقوم عليها الدولة، والتي تشمل حرية العبادة، قال التميمي: «لكل دين خصوصية، كل الشرائع الدينية، والقوانين الدولية، لا تبيح لأي أصحاب دين بأن يستولوا على معابد أصحاب الدين الآخر، هذه ليست ديموقراطية، هذا اعتداء صارخ على عقيدتنا وديننا».
وأشار إلى أن الخطاب التهويدي المتماهي مع «الروايات التوراتية» بات يسوّق الآن على أعلى المستويات السياسية في إسرائيل، حيث أصبح كبار الساسة يتحدّثون علناً عن «القدس الموحدة»، و«يهودية القدس»، و«تقسيم المسجد الأقصى»، و«حق اليهود في جبل الهيكل».
فالأسبوع الماضي فقط، شهد كمّاً كبيراً من الممارسات والتصريحات غير المسبوقة، حيث قام الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريز، بإلباس الحاخام الأكبر لليهود الشرقيين العمامة في كنيس في القدس المحتلة، في رسالة سياسية واضحة لم تلقَ أي صدى فلسطينياً وعربياً، فيما أصبحت الصلوات التوراتية تُمارس بشكل اعتيادي عند المسجد المرواني داخل الحرم، وسط دعوات إلى هدمه وتحويله إلى كنيس يهودي.
وباتت الاقتحامات اليومية تحظى بتغطية رسمية على المستويين الأمني والسياسي، ولا أدل على ذلك من تصريحات القائد العام للشرطة الإسرائيلية، يوحنان دانينو، التي دعا فيها قبل أيام قليلة إلى السماح رسميّاً لليهود بدخول المسجد الأقصى بصفته إحدى «ساحات جبل الهيكل»، ومن مشاركة وزراء، مثل وزير الإسكان، أوري أرئيل، في اقتحام الحرم إلى جانب المستوطنين.
في مقابل كل ذلك، تقف القدس وحيدة في خندق المواجهة، ليس ثمّة إجراءات رادعة، ولا حتى موقف حازم تجاه هذه العربدة الإسرائيلية، لا فلسطينيّاً ولا عربياً. ثمة حالة سخط تسيطر على أهالي القدس المحتلة تجاه المسؤولين الفلسطينيين في السلطة والدول العربية، وخصوصاً تلك التي تؤدي دور الوصي على المدينة التاريخية مثل الأردن. لعلّ أحد تجلياتها كان طردَ عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، عزام الأحمد، والوفد الأردني المرافق له من ساحات المسجد الأقصى بعد أن حاولوا دخوله أخيراً.