ماذا يجري في الشمال السوري بين تنظيم القاعدة والمجموعات السورية المسلحة الأخرى؟ هل بدأ «القاعدة»، ممثلاً بتنظيم «دولة الإسلام في العراق والشام» رسم الحدود الأولى لدولته؟ أم أنّ الاتفاق الأميركي الروسي بدأ يُترجم ميدانياً، لكن بعيداً عن الأسلحة الكيميائية؟ وهل ثمة من أراد شدّ الخناق على «القاعدة» في ريف حلب الشمالي، لكن حساباته كانت خاطئة في تقدير قوة مقاتلي التنظيم الدولي هناك، فارتدّت محاولة التطويق عليه؟ الإجابة عن الأسئلة السابقة لا تزال مبكرة، ووقائع الأيام القليلة الماضية تفتح الباب على المزيد من علامات الاستفهام. فخلال الساعات الـ24 الماضية، سيطر تنظيم القاعدة في العراق وسوريا على مدينة أعزاز السورية، المحاذية للحدود التركية، بعد اشتباكات عنيفة مع المقاتلين التابعين لـ«لواء عاصفة الشمال» (الذي تبنى خطف الزوار اللبنانيين قبل 16 شهراً ولا يزال يحتجز حرية 9 منهم حتى اليوم). وبعد سيطرة «دولة الإسلام في العراق والشام» على معظم أحياء مدينة أعزاز وتقطيع أوصالها، وبدء تنفيذ عمليات دهم واعتقال مسلحين ومدنيين، اتجه مقاتلو «الدولة» نحو بلدة السلامة، مهددين بدخولها والسيطرة عليها وعلى المعبر الحدودي المعروف بباب السلامة. وهذا المعبر يُعدّ المنفذ الرئيسي لعبور المقاتلين والذخائر والمعدات والمساعدات من تركيا إلى محافظة حلب، فضلاً عن أنه يمثل مورداً مالياً كبيراً لمن يسيطر عليه، علماً بأنه يخضع حالياً لإدارة مقاتلين تابعين لـ«لواء عاصفة الشمال» و«لواء التوحيد»، وهؤلاء يفرضون الخوات على العابرين وعلى البضائع، فضلاً عن تحكّمهم بالمساعدات التي تدخل من تركيا إلى حلب وريفها.
وفيما تشير مصادر محلية إلى أن السيطرة على أعزاز ليست سوى مقدمة للسيطرة على المعبر، ربطاً بالمردود المالي والنفوذ اللذين يؤمنهما، لفتت مصادر أخرى في المعارضة السورية إلى أن «اجتياح» تنظيم القاعدة لمدينة أعزاز أتى ضمن سلسلة من الاشتباكات والمعارك التي حصلت أخيراً في مناطق الشمال السوري، وخاصة في جرابلس والباب (ريف حلب)، وفي محافظة دير الزور، بين «دولة الإسلام في العراق والشام» والكتائب الأخرى التابعة للمعارضة. وتشير المصادر إلى أن قادة القاعدة في سوريا ارتابوا من الخطوات الأخيرة التي اتخذتها كتائب معارضة، كمثل دمج «لواء التوحيد» و«لواء الفتح» في حلب. ولم يقتصر الأمر على ذلك، ولا على إنشاء «هيئات شرعية» لتنظيم المناطق الخاضعة لسيطرة المجموعات المسلحة، من دون استشارة «دولة الإسلام في العراق والشام» ولا المجموعات القريبة منها، بل شعر قادة «الدولة» بالخطر بعدما تكتّلت بعض المجموعات لمواجهتهم عسكرياً، كما جرى في مدينة الباب (ريف حلب) قبل أيام. ففي الباب، حاولت مجموعات متفرقة خوض معركة ضد «الدولة»، لإخراجها من المدينة، احتجاجاً على سلوك رجال «القاعدة» وظلمهم لأهل المدينة وقسوتهم عليهم، فما كان من مقاتلي «الدولة» إلا ان شنوا هجوماً مضاداً، وكبدوا من أرادوا طردهم خسائر فادحة، وارتبكوا بحقهم العديد من الجرائم. ولم تتوقف المعارك إلا بعد وساطة قادتها «حركة أحرار الشام الإسلامية» التي يقول معارضون سوريون إنها تتلقى تمويلها من قطر.
ولم يُعرف بعد رد الفعل التركي على ما جرى، فيما قالت مصادر قريبة من «عاصفة الشمال» إن السلطات التركية ستُقفل اليوم معبر باب السلامة، تحسباً لوقوعه بين أيدي تنظيم القاعدة.
ولفت في معارك أعزاز أمس أن «لواء عاصفة الشمال» أصدر بياناً ناشد فيه الكتائب والألوية الأخرى، وخاصة «لواء التوحيد» التدخل لنجدته، من دون صدور إشارات على توجه تعزيزات من أي منطقة في الريف الشمالي لمدينة حلب، نحو مدينة أعزاز. واستبعدت مصادر معارضة تحرّك أي طرف لنجدة «عاصفة الشمال»، وخاصة أن «الدولة» هي الطرف الأقوى في الشمال السوري كله، لا في ريف حلب وحده. ووصف البيان ما قامت به «دولة العراق والشام» بـ«احتلال» أعزاز.
وفي الإطار عينه، وبناءً على ما جرى في أعزاز، جرت اتصالات مكثفة أمس بين مسؤولين لبنانيين ومسؤولين أتراك للاطمئنان إلى وضع اللبنانيين المخطوفين في أعزاز. وفيما لم تُعرَف نتائج هذه الاتصالات، قالت مصادر سورية معارضة إن المخطوفين بعيدون عن أعزاز، ولم يعودوا أصلاً في عهدة «عاصفة الشمال»، ونُقلوا منذ مدة إلى مدينة عندان (شمال حلب).
(الأخبار)