حلب | فيما انحسرت المعارك المباشرة بين الجيش السوري ومسلحي المعارضة على اختلاف وجهاتهم في حلب، استعرت المعارك الدامية في ما بين المسلحين أنفسهم، حيث تشير المعطيات الميدانية في ريف حلب الشمالي إلى تقدم كاسح لمسلحي «الدولة الإسلامية في العراق والشام» وحلفائهم من معتنقي فكر «القاعدة» على خصومهم من المجموعات المختلفة، التي لا تزال تحتفظ باسم «الجيش الحر»، وأهمها «لواء عاصفة الشمال».بعد مدينة الباب (شمالي شرقي حلب) جاء دور أعزاز (شمالي حلب) لتقع تحت سيطرة مسلحي «الدولة الإسلامية»، بعد معارك عنيفة مع الميليشيات الأخرى المنافسة، وأهمها «لواء عاصفة الشمال»، التي اشتهرت بخطف الزوار اللبنانيين الأحد عشر قبل نحو عامين، والتي تسيطر على معبر السلامة مع تركيا، الذي يعتبر مصدر دخل هائل لها.
وإثر سقوط المدينة بيد «الدولة»، ومقتل وإصابة عشرات المسلحين، تداعى ممثلو جماعات مسلحة أخرى إلى اجتماع لتوحيد صفوفهم لمواجهة «الغزاة»، في وقت وصلت فيه تعزيزات إلى معبر «السلامة» لمساندة مسلحي «لواء عاصفة الشمال» الذين فرّوا إليه، بعد مطالبة «لواء عاصفة الشمال»، في بيان، مسلحي «لواء التوحيد» بالتدخل لمنع مسلحي «الدولة» من السيطرة على المدينة. وفي السياق، ذكر متحدث باسم «لواء التوحيد» لوكالة «فرانس برس»: أنّ «اللواء (المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين) سيعمل على تهدئة الأمور»، مضيفاً: «نسعى جهدنا لفض هذا الخلاف. يجب الوصول إلى حل يرضي الجميع وتشكيل لجنة تحكم بين الطرفين، وتحقيق المطالب الشعبية».
في موازاة ذلك، قال مسؤولون أتراك، أمس، إنّ تركيا أغلقت المعبر من جانبها، وأفاد أحدهم وكالة «رويترز» بأنّ الإغلاق أسبابه أمنية، إذ «لا يزال هناك غموض بشأن ما يحدث على الجانب السوري. توقفت كل المساعدات الإنسانية التي تمر في الأحوال العادية».
وقال مسؤول آخر: «المثير للقلق هو الاشتباكات في حدّ ذاتها»، مضيفاً: «ما نريده هو أن تسوي جماعات المعارضة المختلفة أمورها وتركز على الصراع مع النظام».
وقد نشر روايات مصدرها مجموعات تابعة لـ«الحر» تفيد أنّ القتال في أعزاز اندلع بعد أن «قاوم لواء عاصفة الشمال محاولات من جانب مقاتلي الدولة الإسلامية لخطف طبيب ألماني يعمل متطوعاً في مستشفى خاص».

اشتباكات في الرقة وحصار عندان والمريمية

وفي حين يسود الانقسام عندان، التي تتقاسم فيها قوى عدة السيطرة وتتحيّن الفرصة للتخلص من «لواء أحرار سوريا» وكتائب أخرى صغيرة تشبه في تشكيلها وسلوكياتها الساعية إلى المال «لواء عاصفة الشمال»، تحاصر قوات «جبهة النصرة» و«الدولة» مجموعات «الحر» في المدينة.
كذلك حاصروا قوات «الحر» في قرية المريمية غرب أعزاز استعداداً لمهاجمتهم. ومن ريف حلب إلى الرقة، حيث دارت اشتباكات عنيفة بين «دولة العراق والشام الاسلامية» وعناصر «الجيش الحر» في مدينة الطبقة.
كذلك أفاد معارضون عن طرد «الدولة» للواء «أحفاد الرسول» من مناطق وسط مدينة دير الزور على نهر الفرات.
وذلك بعد معارك مستمرة منذ أسبوع، حيث قام عناصر «داعش» بتصفية عدد من أبرز قيادات «الجيش الحر»، وأهمهم قائد «كتائب العباس»، كاسر جميان، وقائد «كتيبة قيصر الهنداوي»، وليد شداد.
وكان «الدولة الإسلامية في العراق والشام» قد افتتح مقراً له في أعزاز قبل نحو ثلاثة أشهر، الأمر الذي جوبه باعتراض الكتائب المسلحة المحلية، وعلى رأسها «لواء عاصفة الشمال»، عبر التظاهرات الاحتجاجية.
وتعتبر كل من الباب وأعزاز ومارع وعندان مراكز الثقل الأساسية للميليشيات الإسلامية، وبينما تتمتع جماعة الإخوان المسلمين بنفوذ كبير على مسلحي مارع، فإنها تتقاسم النفوذ في عندان مع القوى الأكثر تطرفاً، ما يرجّح احتمال سيطرة «الدولة» على كامل الريف بوصفها القوة الأكثر تنظيماً وتسليحاً وتمويلاً.
الاقتتال بين الجماعات المسلحة له نكهة مختلفة في الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب. فبعد عامين من «النأي بالنفس» داخل المدينة، وقتال المسلحين في مناطق الجزيرة، قرّرت «وحدات حماية الشعب الكردي»، التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، خوض معركة تحرير الحيّين، حيث قدمت عشرات القتلى في معارك عنيفة لتسيطر عليهما.
مصادر المعارضة عزت تقدم «وحدات الحماية» في الأشرفية والشيخ مقصود إلى الدعم الناري الكثيف الذي وفّره الجيش السوري لها أثناء معاركها.
ميدانياً، تقتصر الاشتباكات بين الجيش السوري والجماعات المسلحة التكفيرية على بعض محاور المدينة، فيما لا يتوقف سلاحا الجو والمدفعية عن استهداف مقار وتجمعات وأرتال نقل الذخيرة والسلاح، وبالأخص الآتية من الحدود التركية.
وذكر مصدر ميداني لـ«الأخبار» أنّ نيران الجيش دمرت قافلتَي سيارات محمّلة بالأسلحة والذخائر غربي حلب على طريق الأتارب _ أورم الكبرى، وأخرى شمالي حلب على طريق المسلميّة.
وأضاف المصدر أنّ سلاح الجو أغار على تجمعات المسلحين في مناطق الجبول، وخان العسل، وعبطين، وكويريس، والجديدة، والشيخ سعيد، ودمّر منصات لإطلاق الصواريخ ومدافع هاون وسيارات مزوّدة بمضادات للطائرات ورشاشات متوسطة وثقيلة، مؤكداً وقوع عشرات الإصابات في صفوف المسلحين بين قتيل ومصاب.
في المقابل، ردّ المسلحون بإطلاق صواريخ «غراد» وقذائف الهاون على الأحياء الآمنة في حلب، حيث أوقعت أكثر من اثني عشر قتيلاً في اليومين الأخيرين، جميعهم من المدنيين. وامتدّ القصف إلى شارع بارون في قلب المدينة التجاري.