منير الشعراني *ساذج أو جاهل أو مغرض من ينظر إلى اعتقال الدكتور عبد العزيز الخيّر أو يحاول التعامل معه على أنّه حدث عادي في سياق الحراك الثوري في سوريا، أو أنه ليس مؤثراً أو ذا بال في سياق تطور هذا الحراك والصراع السياسي الذي رافقه واتخذ مسارات متعددة منذ بداياته إلى اليوم. فالنظام الذي اعتقل الخيّر ورفيقيه إياس عياش وماهر طحان، عبر إخراج رديء، حاول من خلاله حرف الأنظار عن مسؤوليته عن هذا الاعتقال وما يعنيه في سياق الصراع والحلول السياسية التي كان يجري العمل عليها ويؤدي الخيّر دوراً بارزاً ومحورياً في العمل على إنضاجها لإنقاذ الوطن من دوامة الصراع المسلح الذي بات يهدد كل مقومات وجوده. وساذج أو جاهل أو مغرض من يقول إنّ اعتقال الخيّر لم يبعث الارتياح في نفوس بعض خصومه السياسيين الذين نصبوا أنفسهم قيادة للمعارضة السياسية بدعم خارجي من أطراف إقليمية ودولية لا يشكل الحراك الثوري للسوريين بالنسبة إليها إلا ذريعة لتحقيق مصالح كل منها.
نعم هو ساذج أو جاهل أو مغرض من لا يرى أن اعتقال عبد العزيز الخيّر استفاد منه طرفان هما النظام لأسباب واضحة ومعروفة، وتلك «المعارضة» التي رهنت نفسها لدول وقوى خارجية لتتمكن من انتزاع سدّة الاستبداد من النظام لتجلس عليها، وإن كان ذلك على حساب الوطن ووحدته وسيادته، وإن كان الثمن الدمار والقتل والتهجير والتشريد لشعبه. هذه «المعارضة» التي قامت على دعاة التحالف مع الشيطان في سبيل الخلاص من النظام وعلى رأسهم الإخوان المسلمون وغلاة إعلان دمشق من حزب الشعب ـــ الليبرالي الجديد، الشيوعي سابقاً، وبعض حلفائه وأفراد شاركوا بحسن نية أو بسوء نية في استنبات نبت شيطاني على جسد الحراك الثوري سعى لاحتكار تمثيل الثورة وعمل على خنق الأصوات الثورية المخالفة لنهجه، وتخوينها والوقوف في وجه أي اتفاق يجمع أطراف المعارضة الوطنية ويوحّد جهودها لتغليب المصلحة الوطنية واستقلال قرارها. هذه «المعارضة» هي التي أفسحت المجال لدخول نبت شيطاني آخر من خارج البلاد تمثل في الكتائب السلفية الجهادية كالنصرة وداعش ليستطيل ويتمدد على أرضنا رافعاً ومنفذاً لشعارات لا تمت بأدنى صلة إلى أهداف شعبنا التي ثار على النظام من أجل تحقيقها.
أدرك النظام دوماً أن الخطر الحقيقي عليه يكمن في الوعي الذي يحمله مناضلون كعبد العزيز الخيّر رهنوا حياتهم من أجل وطنهم وشعبهم، وهو يدرك مكانة عبد العزيز الخيّر وحنكته وقدراته الفكرية والسياسية والتنظيمية والدبلوماسية. ويعلم دوره في العمل على توحيد جهود المعارضة في الداخل والخارج، وتابع النجاحات التي حققها من خلال لقاءاته مع أطراف فاعلة في الوضع السوري والأثر الذي يتركه حتى عند حلفائه، لذلك أراد قطع الطريق على أي تقدم يستطيع عبد العزيز الخيّر إنجازه على مستوى تجميع جهود المعارضة الوطنية لانتزاع مكانها في الصراع السياسي الدائر وصولاً إلى تحقيق الدولة المدنية الديموقراطية التي تساوي بين أبنائها، أو على مستوى التوصل إلى تغيير اقتناعات بعض الأطراف الدولية الداعمة للنظام بحل بديل للحل الأمني العسكري الذي ينعكس سلباً على صدقيتهم ومصالحهم.
اعتقل النظام عبد العزيز الخيّر لأنه يدرك تماماً أنه واحد من أبرز رموز العمل المدني السلمي الذين وقفوا ضد عسكرة الثورة لأنهم يرون فيها خطراً حقيقياً على الوطن والشعب فضلاً عن ثورته، وشكلوا عائقاً كان لا بد من إزالته عن طريق العسكرة التي سعى النظام منذ البداية إلى جرّ الثورة إليها لإدراكه أنها الطريق الوحيد الذي يجيد العمل فيه والذي يستطيع من خلاله إيجاد المبررات لعدم تقديم أي تنازلات لشعبه وتبرير جرائمه ومواجهته للثورة بصنوف الأسلحة وإشاعة الدمار والخراب في البلد. وكان عبد العزيز الخيّر إضافة إلى ذلك مناضلاً ذا صدقية يعترف بها الجميع ويتمتع بشخصية كارزمية قوامها هدوؤه واتزانه وتواضعه وثقافته ومرونته وحزمه، وكان قادراً على انتزاع احترام خصومه وثقتهم باحترامه لالتزاماته، وقد أهّلته هذه العوامل والصفات لأداء أدوار مستقبلية شديدة الأهمية. ولا عجب في أن نشاط هيئة التنسيق الوطنية قد تضاءل بعد اعتقاله كثيراً، ولا عجب في أن يعمد النظام إلى اعتقاله، ولا عجب في أن يتنفس أدعياء الثورة الصعداء لغيابه.
الحرية لعبد العزيز الخيّر الضمير الوطني، الحرية للأحرار جميعاً.
* تشكيلي سوري