القاهرة - الأخبار على الرغم من أن الدكتور يوسف القرضاوي، ذا النشأة الإخوانية، عُرف عنه أغلب فترات عمره (87 عاما) بأنه صاحب مدرسة فقهية وإسلامية تجديدية في الفكر الإسلامي وأحد أهم دعاة التقارب بين السنة والشيعة، إلا أن ذلك كله لم يشفع له الفترة الماضية في الهجوم بضراوة شديدة؛ ففتاواه الأخيرة على صعد عدة بداية من الشأن السوري وحتى المصري، أثارت جدلا كبيرا وأحيانا استياء عند قطاعات من الجمهور العربي، والمصري على وجه الخصوص، من بينهم أشخاص لم يناصبوه العداء قبل ذلك.

فمن تأييد لتدخل أميركي في سوريا، إلى دعوة الجنود المصريين إلى عدم إطاعة أوامر قادتهم إلى الدعوة «للتصدي لميليشيات السيسي»، إلى حديثه عن بعض معلومات غير دقيقة أو غير صائبة، كان كل ذلك كفيلا لمحاولة فهم ما يدفع القرضاوي إلى هذه المواقف، التي أوصلت العداء له إلى حد وصفه «بمفتي الناتو». صلاح الدين حسن، المتخصص في شؤون التيارات الإسلامية، فسر مواقف الرجل لـ«الأخبار» قائلا «على الرغم من أن القرضاوي بطبعه وسطي، ولم يكن يعرف عنه مساندته لقادة الجماعة الحاليين، فقد وقف أمامهم إبان أزمة الإصلاحيين والقطبيين في مكتب الإرشاد عام 2009، ومساندته لعبد المنعم أبو الفتوح في انتخابات الرئاسة، وكان من الشخصيات التي لها انتقادات ضد القطبية وحاول أن يصحح مفهوم الجهاد عند كثير من الحركات الإسلامية». إلا أن ما جرى في 3 يوليو، واعتباره إياه بأنه «انقلاب عسكري» مع ما جرى بعد ذلك من سقوط قتلى بالمئات من الإسلاميين والإخوان في أحداث عدة، «أعاد إلى ذهن الرجل وعاطفته، مشاهد تؤثر فيه كثيرا، نظرا لحبسه واعتقاله وتعرضه للظلم بشكل مباشر من نظام عبد الناصر العسكري قبل خروجه من مصر منذ ما قرابة 4 عقود، وبشكل غير مباشر عن طريق امتدادات هذا النظام العسكري، يضاف إلى ذلك شعور الرجل بأن حلم بداية تمكين الدولة الإسلامية قد يتلاشى، فضلا عن المعلومات التي كانت تصل إليه عن طريق الإخوان بأن ثمة حرباً على الإسلام والشريعة». هذا غير المعاملة الكريمة التي لقيها بعد صعود الإسلاميين للحكم، والتي تجلت في خطبته الشهيرة بميدان التحرير بعد ثورة كانون الثاني مباشرة، وتمكنه من إلقاء خطبة الجمعة من على منبر الجامع الأزهر، الذي حرم منه طوال عقود وهو المتخرج فيه.
ويضيف حسن إلى الأسباب الشخصية السابقة، «تماهي الرجل مع موقف قطر، وهي الدولة التي آوته بعد خروجه من مصر، وهو الأمر الذي سبب له العديد من الانتقادات خاصة مع عدم توجيه القرضاوي اللوم لسياسة قطر الدولية والإقليمية»، منبها إلى أن «تقدم القرضاوي في السن جعله عرضة للتأثر بمن يعرض عليه المعلومات أو الرأي، فلم تعد حالة الرجل تسمح له بالقدرة على التحقق من كل ما يصله أو تحليله بشكل يفكك المشاهد الملتبسة التي تعرض عليه، وهو ما جعله يبدو متناقضاً لأنه غير مطّلع على ما يجري، ويبدو أن الرجل لم يلمّ بأخطاء الإخوان الفادحة، فضلا عن عدم علمه بنبض الشارع وأنه منقسم حيال الإخوان ومرسي والسيسي».
ويشير حسن إلى أن «القرضاوي لا يعد صاحب رؤية سياسية، فهو صاحب عاطفة جياشة ينفرط معها لجام الحكمة، في كثير من أمور السياسة وتعقيدتها»، لذا فإن حسن يقف ضد فكرة «شيطنة القرضاوي»، «فالتعامل معه بالهجوم خطأ، فيجب أن يدرك الرجل أنه لم يدرك أنه ملك للناس جميعا، كرمز للمصريين جميعا، ولا يتصرف كشخص يتحرك وفق رؤية جماعة الإخوان كما يحدث الآن، فقد سبق أن رفض منصب المرشد ليكون ملكا للمسلمين جميعا، وهو ما يجب إدراكه الآن». أما عن تعامل الدولة المصرية، فيرى عمر غازي الباحث في مركز الدين والسياسة للدراسات، أن «من المنطقي جدا بأن يكون بعد حملة الاعتقالات الواسعة في صفوف الجماعة أن القرضاوي، فقيه الجماعة أو الأب الروحي، كما يحلو للبعض وصفه هدفا للسلطات الحاكمة في مصر، لا سيما أنه كان واجهة إعلامية بارزة ومحركا أساسيا لها على الصعيد الفقهي». ويرى غازي أن «وضع القرضاوي على قوائم الترقب في مصر وإبعاده من الكويت التي كان يزورها، وموقف دول الخليج الأخرى المعلن للجميع، يعني فرض إقامة جبرية له في قطر حيث يقيم منذ عقود، وهي الدولة التي لا تزال جماعة الإخوان المسلمين تحظى بدعمها»، متوقعا «في ظل عودة الشيخ إلى الدوحة أن تكون له مساحة أكبر في الظهور الفضائي عبر شاشة الجزيرة ليقوم بدوره اللوجستي في دعم المؤيدين للشرعية وتعويض الفراغ الذي تركه القيادات المغيبة في السجون».
وفسر غازي عدم عودة الرجل لمصر بعد الثورة بأنه «يحمل الجنسية القطرية ويعيش بها منذ أكثر من أربعة عقود كما أن أحد أبنائه يعمل دبلوماسيا بالخارجية القطرية ومن المنطقي جدا أن يكون مرتبطا بها وان يعيش متنقلا بين الدوحة والقاهرة». وعن احتمالية تحسن علاقة القرضاوي بالنظام المصري، فيرهنها غازي بالوصول لتسوية سياسية «وهي مهمة القيادات التنظيمية والسياسية وليست القيادات الروحية والدينية، وهو أمر مستبعد أيضا للظروف والملابسات الراهنة».
ويذهب غازي إلى أن «القرضاوي يحركه منطق المصلحة والمفسدة، لا الإملاءات السياسية، فالرجل «ليس مفتي الناتو كما يشاع» ففي حرب الخليج الثانية كان ضد موقف إخوان الخليج ورفض ضرب أميركا للعراق كإخوان مصر، وهو عكس موقفه الآن»، فيما يعزو حسن مواقف القرضاوي في هذا السياق إلى ضعف المعلومات والتحليلات الواردة إليه بما قد يؤدي إلى تضليله ومن ثم خروجه بمواقف مثيرة للجدل.