كما كان متوقعاً، احتل خطاب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، في الأمم المتحدة، الحيّز الأبرز في اهتمامات الصحافة الإسرائيلية، متصدّراً الصفحات الأولى، عبر سلسلة من التحليلات التي قاربته لجهة مضمونه وخلفياته والأثر الذي يمكن أن يكون قد خلَّفه في الأوساط الدولية، وخاصة الأميركية.
ويمكن القول إن هناك ما يشبه الإجماع في الأوساط الصحافية الاسرائيلية على أن هذا الخطاب، بالرغم من الإقرار بجودته على مستوى البلاغة اللفظية، أتى «في توقيت دولي سيّئ» ويُرجّح ألا يكون «أقنع» الجهات المعنية، فضلاً عن أنه كان يفتقد «الذخيرة»، إضافة الى السؤال «هل بمقدور إسرائيل الهجوم وحدها، أم أن القطار قد فاتها؟».
من جهته، رأى المعلّق العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أن نتنياهو توجّه الى الولايات المتحدة وهو يدرك أن قصة إسرائيل في الظروف الحالية هامشية نسبياً، لأن أساس الاهتمام تركز على خطابي الرئيس الأميركي باراك أوباما والايراني حسن روحاني. وأضاف أنه لم يتمكن من تخريب الحفل، كما تعهد بنفسه قبل توجهه الى الولايات المتحدة، لأن الحفل كان قد انتهى قبل أن يهبط في نيويورك. أضف الى ذلك أن الأميركيين مشغولون حتى أعلى رأسهم بالأزمة السياسية الداخلية التي شلت الإدارة الفدرالية في واشنطن، كذلك فإن جدول أعمال المجتمع الدولي لا يتركز فقط على إيران.
ورأى هرئيل أيضاً أن «الخطاب كان موجّهاً الى جمهور لا يصغي إليه، لكونه اقتنع بأن المفاوضات الدبلوماسية هي الخيار الوحيد في الاجواء العالمية الحالية». وشكّك في أن يكون للخطاب أهمية استثنائية، إضافة الى أن من المشكوك فيه أن يكون أحد في القاعة صدَّق أن إسرائيل حالياً متوجهة الى الخيار العسكري.
وبحسب هرئيل، «يحاول نتنياهو حالياً، كبديل عن المبادرة الى الخيار العسكري، منع رفع العقوبات قبل التزام إيراني جوهري بتلبية مطالب الغرب»، مضيفاً أن الخيار العسكري الإسرائيلي سيعود الى الصورة، وربما للمرة الأخيرة، على مشارف الربيع المقبل، إذا ما فشلت المفاوضات بين الدول العظمى وإيران.
أما في حال تحقق اتفاق، حتى لو لم يرض مضمونه إسرائيل، فإنها ستجد صعوبة في مهاجمة المنشآت النووية الايرانية بما يتعارض مع الرأي العام الدولي كله.
من جهته، رأى معلّق الشؤون الأمنية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، أن «خطاب نتنياهو كان براغماتياً، خالياً من الانفعال والحيل، وأنه كان موجّهاً الى ثلاث جهات مركّزة، صناع القرار في الساحة الدولية، وتحديداً إدارة أوباما والكونغرس الأميركي، والدول الأوروبية، وصولاً الى موسكو وبكين، إضافة الى الجمهور الإسرائيلي، فضلاً عن الرأي العلم اليهودي في الشتات».
ولفت الى أن رئيس الوزراء الاسرائيلي يدرك أن توقيت الخطاب كان أسوأ ما يمكن أن يكون، لجهة أن الرأي العام الأميركي كان مشغولاً بأزمة الموازنة وشلل الحكم في واشنطن، فضلاً عن أن الأمم المتحدة كانت خالية من أغلب رؤساء الدول والبعثات.
ويرى يشاي أن «نتنياهو يدرك أن جزءاً لا يستهان به من العقوبات المفروضة على إيران تحقق عبر تشريع الكونغرس الأميركي، وبالتالي فإن مطالبه ستجد صدى وسط المشرّعين الأميركيين الذين لن يوافقوا على رفع العقوبات عن إيران، حتى لو أراد أوباما وكيري ذلك».
الى ذلك، أضاف يشاي أن «حديث نتنياهو عن سلاح نووي، وليس فقط عن قدرة نووية تنتج سلاحاً كهذا، قد يعني أننا نرى تزحزحاً للخط الأحمر لرئيس الحكومة وتلاؤمه مع خط الرئيس الأميركي».
من جهتها، رأت سيما كيدمون في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أنه في حال كان خطاب نتنياهو موجّهاً الى الجمهور الإسرائيلي فقد حقق مراده، أما في حال كان موجّهاً الى العالم، فمن المشكوك فيه أن يكون أقنعه أو أقنع الرئيس الاميركي.
بدوره، رأى معلق الشؤون الحزبية في صحيفة «هآرتس»، يوسي فيرتر، أن «الإسرائيليين تفاعلوا بالتأكيد مع خطاب نتنياهو، وربما أيضاً أصيبوا ببعض الكآبة. الالتزام الاحتفالي لنتنياهو بأن إسرائيل ستعمل وحدها في مواجهة إيران نووية ستشعل مجدداً، على المدى القريب بالتحديد، النقاش الشعبي حول احتمالات الهجوم الإسرائيلي على إيران. ثمة شك كبير في ما إذا كان يوجد في جعبة نتنياهو ذخيرة، وشك كبير أيضاً في ما إذا كان المجتمع الدولي والولايات المتحدة سيلجمان الأحصنة ويعيدان النظر في حساباتهما في أعقاب ما قاله نتنياهو. بالله عليكم.. المسألة أن رئيس وزراء إسرائيل حذر من أكاذيب إيران، وقال إننا سندافع عن أنفسنا. قولوا لنا شيئاً لا نعرفه».
لكن معلق الشؤون السياسية في صحيفة «معاريف»، شالوم يروشالمي، رأى أن «تهديد نتنياهو من النوع المخيف الذي يعيدنا الى الأيام التي كانت فيها المعركة متحفزة، وكانت الطائرات توشك على الانطلاق»، مضيفاً أن السؤال الكبير هو «إذا كان لدينا اليوم القدرة على أن نعمل وحدنا، أم أن القطار قد فاتنا، وفي الطريق فقدنا أيضاً العالم الذي يريد أن يسير في طريق آخر وأن يرتبط بالروح الجديدة والمضللة التي تهبّ من جهة إيران».
الى ذلك، رأى دان مرغليت في صحيفة «إسرائيل اليوم»، أنه بالرغم من أن خطبة رئيس الوزراء جددت الخيار العسكري بصوت عال، يكشف فحص دقيق عن أنه هذه المرة لم يهدد باستعماله إزاء تخصيب اليورانيوم، أو في حال أصبحت إيران دولة حافة فقط، بل كان كلامه أقرب الى الصيغة الأميركية، التي كان يجادل فيها في السنوات الأربع الأخيرة، وهي أن العملية العسكرية ستنفذ فقط في حال أنتجت إيران سلاحاً نووياً وليس قبل ذلك. ولفت مرغليت الى أنه من المؤكد أن هذا الفرق دقيق وقد استُقبل في واشنطن استقبالاً حسناً.