ما إن تصل الى شتورة، حتى يُخيّل اليك لوهلةٍ أنك في دمشق. سائق ينادي «عالشام، راكب أخير، عالشام!»، وبائع كعك ينادي بأعلى صوته باللهجة السورية، وامرأة تتسول ما «يطلع من خاطرك». في البقاع، يعيش السوريون مأساة بكل ما للكلمة من معنى. معظم النازحين من حمص وحلب وريف دمشق. غالبية هؤلاء، إما يعيشون في بيوت مستأجرة او يعتمدون على تعاطف الأقارب والأصدقاء، فيبيتون في منازلهم. تعاطفٌ بات يتضاءل يوما بعد يوم مع تقلص الموارد المالية وغياب فرص العمل.
رغم امتلاء المدارس القديمة والجوامع، يلجأ بعض النازحين الى منظمات المجتمع المدني التي تقدم لهم مساكن غير مجهزة لأدنى متطلبات العيش، يستكمل بناؤها بما يناسب سكنهم المؤقت فيها، وذلك كي يستعيدها أصحابها بعد عام من سكنهم فيها، علما ان العقد المبرم مع البعض شارف على الانتهاء.
هرب أسامة (اسم مستعار) مع عائلته المؤلفة من اربعة اشخاص من ريف القصير. استأجر في البداية غرفة بمساحة 40 مترا مربعا في منطقة عرسال، بقيمة 250 دولارا في الشهر. كثيرون يعانون مثل اسامة الذي «يعمل يوماً واحداً ويمضي بقية الشهر يحاكي السأم»! انعدام الدخل الشهري دفعه للانتقال الى سعدنايل، حيث أمّن له «المركز النروجي للاجئين» غرفة واحدة، في مبنى يعيش فيه مع 4 عائلات أخرى.
يقول أحد الناشطين المحليين لـ «الاخبار» ان الغرفة نفسها، في عرسال على سبيل المثال، والتي كانت تؤجر قبل الأزمة السورية «بـ 100 دولار باتت تؤجر اليوم بـ 500 دولار».
يروي محمد من حمص معاناة النازح، حيث «10 في المئة فقط من رجالنا يعمل والباقي يتكل على عون الله. انا مثلا مدين لسوبرماركت البلدة بحوالي مليون ليرة لبنانية». لا يتوانى السوري ان يعمل في اي شيء ليسد متطلبات عائلته وحتى هذا «اللا شيء» غير موجود على الاطلاق.
لا تحبّذ مفوضية اللاجئين ومنظمات المجتمع المدني كلمة لاجئ، لانها تدّل في مضمونها على «الدونية» إزاء للنازح السوري. ولكن يغيب عن خاطر هذه المنظمات ان الاحساس باللجوء لدى المواطن السوري أعظم شأنا من التسميات. حتى الخيم الزراعية التي تفتقد للمياه والصرف الصحي، اصبحت مسكناً لهم، وغالباً ما تتشارك مجموعة من العائلات حماماً واحداً، فيما امسى المطبخ مكاناً للنوم والاستحمام. وامتدت تجمعات الخيم العشوائية في القرى والبلدات البقاعية ليقارب عددها 350 مخيّماً بحسب ما يقول احد المهندسين العاملين في برامج الإيواء.
في كل مخيم او مستوطنة للخيم غير الرسمية (Informal Tented Settlement) بحسب ما تسميها مفوضية اللاجئين، خيم متعددة الأشكال، غالبيتها مغطّى بالنايلون، وأفضلها بصناديق خشبية. يراوح عددها بين 6 و120 خيمة. ويمكن لخيمة تتسع لعائلة واحدة ان يعيش فيها حوالي 23 فرداً. علماً أن أكثر من 40 ألف نازح يسكنون هذه التجمعات في البقاع الأوسط من اصل نحو 270 الف نازح مسجلين في البقاع.
يشكو محمد خليل من حلب، والذي يسكن في مخيم يضم 30 خيمة في بر الياس، لـ«الاخبار» فيقول: «لا نملك حماما لخيمتنا (16م2)؛ خيمة أعيش فيها مع 10 أفراد آخرين والمياه القذرة تجري بيننا كالنبع». أما عبد العزيز من حمص، والذي يعيش مع أسرته في منطقة الروضة، فيوضح ان مكان سكنه، «خيمة مغطاة بالنايلون تكلّف 50 دولارا شهريا». ومع ازدياد اعداد الخيم مقارنة بالعام الماضي واكتظاظها بالاعداد المحتملة من الوافدين الجدد، يبدو ان الشتاء سيكون قاسيا جدا على سكان تلك الخيم.
«سأشتري الحطب للتدفئة وعلى الأرجح فإن الخيمة ستطوف بنا ولكن لا حول لنا ولا قوة»، يقول عبد العزيز. الأخشاب والأغطية البلاستيكية وغيرها من الأدوات التي تقدمها المنظمات لنازحي الخيم لن تنجو من الحريق ولن تقيهم شرّ الفيضان المقبل.
«قلة في التمويل» أجبرت المفوضية على خفض المساعدات، لتصل الى 65 في المئة فقط من العائلات السورية، علماً ان السوري المسجّل يتلقى شهرياً من المفوضية قسيمة غذائية بقيمة 40 ألف و500 ليرة ليرة لبنانية فقط، لسد حاجاته!