هي خطوة مفاجئة بالتأكيد، إن في مضمونها أو في توقيتها، فضلاً عن أنها حمّالة أوجه: تعليق المساعدات العسكرية الأميركية لمصر. في النهاية إن استراتيجية واشنطن بتقديم مساعدات سنوية للجيش المصري لم تكن يوماً نابعة من فراغ. هي مكون أساسي من اتفاقية كامب ديفيد، وجزء من مسار استهدف المؤسسة العسكرية المصرية كانت غايته تأمين هيكلية تتمتع ما يكفي من قوة ونفوذ لحماية ذاك الاتفاق المشؤوم. لطالما نظر العم سام إلى جيش ما بعد جمال عبد الناصر على أنه الضمانة للاصطفاف الجيوسياسي لمصر في المحور الحليف لواشنطن والمهادن لتل أبيب. وأن يأتي القرار غداة زيارة الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور إلى السعودية التي حذر ملكها عبد الله من أنها ستقف إلى جانب القاهرة ضد كل من يتدخل في الشؤون المصرية الداخلية. مصادفة ليست بريئة بلا شك، رغم أنها تتوج أسابيع من الصراع المرير خاضته واشنطن، مباشرة أو بواسطة الاتحاد الأوروبي، لإقناع قيادة الجيش المصري، وعلى رأسها الفريق عبد الفتاح السيسي بتليين موقفها. المطلوب كان منذ اليوم الأول بسيطاً: إعادة استيعاب «الإخوان» في الحياة السياسية في مصر. ضغوط وإغراءات بلا جدوى. بل على العكس. زادت الحملة على الحكام السابقين، إلى حد الزج بمعظم قياداتهم في السجن وحظر جميع مؤسساتهم وأطرها القانونية. بل إن قراراً صدر ببدء محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي في الرابع من الشهر المقبل. وكل ذلك بدعم علني، سياسياً ومالياً وديبلوماسياً، من السعودية، ومعها الإمارات والكويت. كلها معطيات تثير مجموعة من التساؤلات، تبدأ بالجرة التي انكسرت بين الجيش المصري وراعيه الأساسي، وتمر بحال اليأس التي بلغته واشنطن من إمكانية إحداث تغيير في الموقف المصري، معطوفاً عليها حال من القلق من انتقال هذا البلد من ضفة إلى أخرى، ولا تنتهي بإمكانية أن يكون ما حصل أول مؤشرات خروج التباين السعودي الأميركي إلى العلن، إن لم نقل الخلافات.
أياً يكن من أمر، فإن المتحدثة باسم الخارجية الاميركية جنيفر بساكي أعلنتها بكل وضوح في بيان: «إن واشنطن ستجمد تسليم المعدات العسكرية (الثقيلة) ومساعدتها المالية للحكومة (المصرية) في انتظار (احراز) تقدم ذي صدقية نحو حكومة مدنية منتخبة ديموقراطياً».
مسؤول أميركي قال إن بلاده ستوقف تحويلات نقدية بقيمة 260 مليون دولار وضمانات قروض مقررة بقيمة 300 مليون دولار للحكومة المصرية. وقال آخرون إن القرار سيشمل تعليق تسليم القوات المصرية أسلحة مهمة من بينها مروحيات «اباتشي» ومقاتلات «اف-16» ودبابات «ام1ايه1 ابرامز»، مشيرين إلى أن المساعدات الاميركية الخاصة بجهود مكافحة الارهاب ـ ومن بينها العمليات التي تجري في صحراء سيناء بالقرب من الحدود الاسرائيلية ـ ستستمر على الارجح. ويستثنى من قرار التعليق المساعدات المتعلقة بالتعليم والصحة والقطاع الخاص.
مساعدة المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية ماري هارف قالت إن الإدارة الأميركية تراقب عن كثب ما يجري حالياً، وتواصل الاتصال بكل الأطراف للالتزام بالتظاهر السلمي من جانب واحترام حق التظاهر من جانب آخر.
المواقف الأميركية استقبلتها السلطات في مصر بتجاهل تام، ولم تصدر أية بيانات رداً على هذه الإشكالية، وهو ما فسرته مصادر في وزارة التعاون الدولي لـ«الأخبار» بأنه مجرد محاولات لتوريط الرئيس باراك أوباما من قبل الحزب المنافس في الكونغرس.
وكشفت المصادر أن مساعدات أميركا والاتحاد الأوروبي لا تتجاوز جميعها 0,1% من حجم خزانة الدولة المصرية، مشيرةً إلى أن جميعها برامج تعاونية، ومؤكدةً أن الإدارة الأميركية لا يمكن أن تتراجع عن المساعدات العسكرية، لكونها ضمن بنود اتفاقية «كامب ديفيد» التي تحافظ أميركا على عدم التخلي عنها من أجل أمن إسرائيل.
(الأخبار)