طرابلس | لم يكن أحد يبالغ في السابق، فالنشطاء السياسيون والحقوقيون والإعلاميون أكدوا مراراً وتكراراً أن الكل مهدد في ليبيا في ظل فوضى السلاح وتكدس قرارات شرعنه الميليشيات فوق طاولة رئاسة الوزراء والبرلمان. إلا أن ما حدث أمس لَأمر جلل، فاختطاف رئيس الوزراء الليبي علي زيدان، سابقة لم تحدث حتى في الدول ما دون النامية، اللهم إلا في الصومال، التي قضت ربع قرن من دون حكومة.
لم تكن أخبار فجر أمس تنذر بجديد، سوى اعتقال رئيس الوزراء الليبي في تمام الساعة الثالثة فجراً بتوقيت غرينتيش، وهو في ملابس نومه من مقر إقامته التي من المفترض أنها تخضع لحماية أمنية مشددة. إلا أن من اخترق سكون مدينة بنغازي وأباح دماء أبنائها، ومن شرّع لنفسه تهديد أمن البعثات الدبلوماسية، وأعلن استخدام السلاح ضد كل من يعارضه، تمكن من جلب زيدان مقتاداً وإخضاعه لتحقيق تحكمه شرعية قوى الأمر الواقع.
لم تدم عملية اختطاف رئيس الوزراء الليبي، سوى 6 ساعات، كان هدفها، على ما يبدو، توجيه رسالة تحذير الى الحكومة على خلفية اختطاف القيادي الإسلامي الليبي أبو انس على أيدي قوة أميركية من العاصمة طرابلس.
زيدان خضع خلال هذه الفترة لتحقيقات في مقر مكافحة الجريمة في العاصمة طرابلس، التابعة لغرفة عمليات ثوار ليبيا، التي كُلّفت حماية العاصمة من قبل رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان وهو أعلى سلطة في ليبيا) نوري بوسهمين قبل ثلاثة أشهر على الأقل.
المتحدث باسم مكافحة الجريمة، عبد الحكيم البلعزي، أكد في ساعات الصباح الأولى أن القبض على رئيس الوزراء جرى بناءً على أمر قبض صادر عن غرفة ثوار ليبيا، التي تحمل تفويضاً من بوسهمين، إلا أنه سرعان ما أعلن إطلاق زيدان بعد ضغوط دولية لم تدع مجالاً للشك في أن حلف شمال الأطلسي لا يزال لاعباً أساسياً في الساحة الليبية. فقد دعا الأمين العام للحلف أندرس فوغ راسموسن، إلى اطلاق سراح رئيس الوزراء الليبي على وجه السرعة، وهذا ما لم تمر على تحقيقه سوى بضع دقائق.
من ناحيته رئيس البرلمان الليبي، أكد أن عملية القبض على رئيس الوزراء جاءت بناءً على بلاغ جرى التقدم به الى مكتب مكافحة الجريمة من قبل (ناشط سياسي)، وأن مكافحة الجريمة تعاملت مع البلاغ.
بوسهمين أكد أيضاً أنه تمكن من زيارة زيدان في مقر اعتقاله برفقة نائب وزير الداخلية خالد الشريف. وأوضح أن معنوياته «مرتفعة جداً».
وفيما سخرت وكالات أنباء عالمية من الحدث، وسخر الليبيون من أنفسهم، أعلن عدد من البعثات الدبلوماسية وبعض شركات الطيران الأجنبية تعليق خدماتهم حتى إشعار أخر، لكن سرعان ما ظهر زيدان في كلمة مقتضبة ألقاها من مقر رئاسة الوزراء، طمأن فيها البعثات الدبلوماسية إلى أن ما حدث له لا يتعدى مفهوم المماحكات السياسية الليبية، وأن أمن الدبلوماسيين غير مستهدف.
زيدان الذي بدا عليه الإرهاق خرج أمام الكاميرات من دون نظّاراته السميكة، وأكد مجدداً أن ليبيا ستبني الجيش والشرطة.
أما ردود الأفعال حول ما حدث، فجاءت متباينة؛ فقد رأى الإسلاميون أن ما حدث لا يتعدّى كونه مسرحية خطط لها لإظهار رئيس الوزراء في مظهر البطل، ولتكف كل الألسنة عن المطالبة باستقالته بعد تأكد فشل إدارته.
لكن الطرف الآخر رأى أن الإسلاميين تغاضوا عما أصاب البلاد من خراب خلال ولاية زيدان، مع انعدام الأمن ووصول سلطة الميليشيات الى أعلى سطوتها مروراً بتوقف ضخ النفط الليبي بعد إغلاق الآبار من قبل الميليشيات، وصولاً إلى قضية الصكوك التي أثيرت مطلع الشهر الجاري، والتي اتّهم فيها عضو المؤتمر ناجي مختار، بمحاولة رشوة الـ «الجضران» المسؤولة عن إعلان برقة الأخير لإعادة ضخ النفط.
واتهم الليبراليون الإسلاميين بأنهم رغم كل ما سبق لم يحركوا ساكناً، وأن ما حدث لزيدان كان نتيجة غضب الإسلاميين على الأخير بسبب عملية «الكوماندز» الأميركي، ليصبح أبو أنس الليبي القشة التي قصمت ظهر زيدان.