عانى السوريون على مدى سنوات الحرب السمعة السيئة لبعض التسويات والمصالحات التي جرت في مراحل سابقة ضمن بعض مناطق العاصمة، ولم تكن إلا فرصاً لالتقاط بعض القوى انفاسها واستئناف معارك أشد عنفاً. لكن تستمر «المخاوف من عدم استكمال ملف المصالحة في مناطق عدة، أسوة بنكسات مرت بها المصالحات جاءت بمعظمها نتيجة خلافات بين المسلحين أنفسهم»، على حد تعبير وزير المصالحة الوطنية علي حيدر في حديث لـ«الأخبار». ويستشهد الوزير بمنطقة الحجر الأسود التي تعطّل مشروع المصالحة فيها، على الرغم من خروج عدد كبير من مسلحيها، غير أن عدداً قليلاً استمرّ في التعطيل، ما منع استكمال المشروع، إضافة إلى مخيم اليرموك الذي «عرقل حدوث المصالحة فيه بين 150- 250 مسلحاً رافضاً للتسوية».
غير أن الدخول الروسي على خارطة العمل السلمي بعد الحضور العسكري، أحدث فرقاً لمصلحة السلطات السورية وحلفائها.
إحداث مركز التنسيق في قاعدة حميميم في الساحل السوري، نتيجة اتفاق وقف إطلاق النار الروسي- الأميركي أثّر في مجريات العمل الميداني، بحيث قلّص عدد الجبهات الساخنة المفتوحة، بنسبة تزيد على 70%، ما جعل الطرف الروسي أكثر راحة للتسويات.
وفيما يجزم متابعون بأن التقدم العسكري مثّل دفعاً واضحاً وعنصر ضغط حازما باتجاه المصالحات والتسويات السياسية في معظم المناطق المشتعلة، فإن الحضور العسكري الروسي بدا مقدمة لإيجاد حلول سلمية لاحقة، وفق شروط مريحة للجيش السوري وحلفائه على الأرض. وهي استراتيجية اتبعها في مراحل سابقة الجيش السوري، غير أن نطاق تنفيذها اتسع مع دخول الطرف الروسي على واجهة التسويات في سوريا، باعتباره طرفاً خارجياً ضامناً يملك أوراقا رابحة عدة، تتعلق بحصوله على ثقة أكبر من الفصائل المتصارعة. ويبدو أن وقف إطلاق النار جاء فرصة لخلق بيئة ملائمة للمصالحات التي شملت الجنوب السوري أيضاً، مع تسوية أوضاع مئات المسلحين الشهر الماضي، بعد مبادرة أطلقها عدد من وجهاء المنطقة، يتجاوز عددهم ألف شخصية من فعاليات محافظة درعا. ليأتي لقاء الرئيس السوري بشار الأسد مع التلفزيون الألماني ARD، مطلع الشهر الحالي، حيث قدّم عرضاً جديداً يقضي بالعفو الكامل عن المسلحين، للعودة إلى الحياة المدنية.
وعلى الرغم من نفي مواقع المسلحين الاعلمية الموافقة على إقرار مصالحة في ريف حماه مع وزارة المصالحة الوطنية، فإن عقد لقاء بين الحكومة ووجهاء يمثلون 100 قرية في ريف حماه، بما فيها قلعة المضيق والحمراء وصوران، مثّل خطوة مهمّة على طريق إعلان التسوية السياسية الشاملة في الريف المشتعل.
الوزير حيدر أكد لـ«الأخبار» أن «التواصل حدث بين الحكومة وممثلين من المناطق الخارجة على سيطرة الدولة، بالتزامن مع وقف العمليات العسكرية للجيش في مقابل وقف الاعتداءات على الجيش وعناصره من جانب المسلحين، جراء اتفاق وقف إطلاق النار القائم». ويرى حيدر أن «فتح مركز روسي للتواصل» أدى إلى إنجاز اتفاقات مبدئية عدة مع أطراف مسلحة». وأضاف أن «التواصل ما زال قائماً على محورين، أحدهما في الريف الشمالي باتجاه جنوب ريف ادلب، وثانيهما مناطق الريف الشرقي وصولاً إلى شمال شرق حماه، بهدف تحويل الهدنة، التي تعدّ حالة مؤقتة وهشّة، إلى مصالحة دائمة، ما يتطلب ترسيخاً للهدنة الحاصلة والانتقال إلى حالة سلام دائم في المنطقة». وحول نفي أطراف عدة من ريف حماه حدوث مصالحة في هذه المنطقة، لفت حيدر إلى أنّ «مشروع المصالحة الحالي ما زال في بداياته، بما يضمن تخفيف حالات الاستفزاز والتوتر في بعض القرى». وبحسب الوزير، فإن «المشروع المذكور طويل وكبير، أنجز منه فتح طرق إلى قلعة المضيق، في ريف حماه، وينتظر تطوير الملف واستكماله إلى المرحلة الثانية التي تتضمن إخراج المسلحين المتشددين والرافضين للمصالحة من المنطقة».
ويمكن التفريق في هذه الحال مع مفهوم المصالحات سابقاً، حيث يحتفظ المسلحون بسلاحهم، وينضمون إلى اللجان الشعبية المدافعة عن المناطق التي جرى إقرار
المصالحات فيها. يأتي ذلك مقارنة بمصالحات أُخرى تجلّت في مدينة حمص وريفها، وتمثلت بإخراج المسلحين من مناطق نفوذهم، أو تسليم سلاحهم وتسوية أوضاعهم، بما يقتضيه الدستور السوري، وإعادة المنطقة إلى سيطرة السلطات، بما يشمل رعاية الدولة وتأمين خدمات مؤسساتها لمواطنيها.
الوعر... ونموذج المصالحة في حمص اعتبارات عديدة جعلت من حيّ الوعر الحمصي واجهة الحدث في المدينة، إذ بقي ملفاً دسماً يوضح صبر المفاوض السوري في تحديد أولويات الحوار وملامح التسوية السياسية المرجوّة. وبحسب وزارة المصالحة الوطنية، فإن «الإعلان عن المرحلة الأخيرة قد يحصل خلال الأيام المقبلة»، فيما توقع محافظ حمص طلال البرازي عودة الحي إلى سابق عهده، قبيل انتخابات مجلس الشعب، في حال عدم تعثّر جهود المحافظة لإتمام الاتفاق، مشيراً إلى أن «الأمر ليس إلا دخول الدولة إلى مواطنيها، وتسوية أوضاع من فيه». وتقضي المرحلة الأخيرة من اتفاق التسوية السياسية داخل الحي، بإخراج باقي المسلحين أو تسوية أوضاعهم، باعتبار المساعدات أصبحت تدخل إلى الحي، في ظل استمرار متابعة ملف المفقودين والمخطوفين والموقوفين واستكماله. البرازي أكد لـ«الأخبار» أن 197 مسلحاً داخل الحي بانتظار تسوية أوضاعهم، بعد إتمام تسليم 50% من السلاح الثقيل. ورأى أن «رعاية المصالحات اقتضت متابعة الملف حتى بعد نجاحه وإقراره، وهو ما تقوم به الدولة السورية في مدينة تلكلخ، العائدة إلى سيطرة الجيش، وفق تسوية قبل ثلاث سنوات».