باسل عبد العال الصوت. صوتُ الولادة؟ لا. ما زال الوقتُ في يدنا. كم الساعة الآن؟ السادسة مساءً بتوقيت المخيم. يتضحُ الصوت في داخلي والحلم معاً في أول مولودٍ يُبشّرُ بالحياةِ، موعدي مع الطفولة الأولى، هل عدتُ طفلاً من جديد؟ هنا على أبواب الماضي ودرجات المستقبل القادم، لم تولد «بتول» بعد. أو ولدت منذ حلمتُ بالعذراء تعدُّ طقوس الولادة وأنا أحمرُّ وأصفرُّ من شدةِ الخوف، ما شكلُ ابنتي؟ أوّل الفجر والمعنى الجميل المشتق من اسم «مريم»، هي «بتول» الضوء الأنثوي الأعظم والعذراء السيدة والمعنى، فلسطينية الآلام ومقدسية المنشأ والعنوان، ولدت في ظل خيمةٍ على مفترق المساء بين غروب الشمس وساعة المطر الغزير، في ساعة الانتظار الطويل في خيمةٍ تحت المطر، ولدت.
سقط المطر بغزارةٍ واخضرّت مواسم الجفاف العاطفي في داخلي وولد الحنين إليها، للعيون التي تشبه البحر.
بتول نائمة، افتحي لها الستارة لأراها أوضح في قلبي. تمدُّ يدها. قولي لي شيئاً، وسامحيني يا ابنتي، ليس لنا من وطنٍ يحتويكِ. حال المخيم حالكِ أنتِ، فلا تسأليني عني وعن حقيبتي الضائعة بين المطارات، هنا الزمان، هنا المكانُ في ذروة الوجع الفلسطيني، اهلاً وسهلاً بالحياة. لا أعرف لماذا بتول؟ ولكنّي أدركُ المعنى تماماً، سلام عليها وعلى أرض البرتقال الحنون. سلام على أرضنا يا بتول.

ولو كان لي بيتي داخل البيت لكان عنبي أنضج وكان لك الحلم والفرح والطيران، حائراً ادورُ بين المنفى والمنفى والحروب بين الحدود، لا أستطيع الخروج من وجع السؤال، بيروتُ هناك وهنا الصحراء والمخيم سار على مسيرة النهر، فهل أعتذر لكِ مرةً اخرى؟ ومرةً اخرى أحملُ عنكِ عبء الكلام ونمضي معاً أنا وأنتِ يا قمري ويا حبي الجديد، يا أوّل القصيدة التي ولدت على إيقاع المسافة بيني وبينها، ويا أوّل الحروف في نغمٍ خفيفٍ يأتي ويذهبُ مثل ريح الخريف على أشجار ذاكرتي. أقف الآن على حبل الوقت أشدّهُ نحوي كي أراها، متى أراها؟ ويصمتُ نداء الروحِ في داخلي، متى أراها؟ ويبدأُ شتائي الجديد على باب مستقبلنا المنتظر، كأنها تحكي ولا تحكي، كأنها تقرأ في ساعة الحائط شيئاً ولا تقرأ، مضى فصلٌ جديدٌ، نفتحُ باب الربيع حيث يكثر لون الحب داخلنا ويخضرُّ سهل الطريق على الجانبين: وردتان لها ولأمّها، ولي انا كلاهما في عشقٍ نرجسيٍّ، قالوا ولدت وضاعت جبهة الكتابة بين أصابعِكَ ضاع الفراغُ وسقطت ساعة الشِعِر منكَ ، قلت كلما نامت أعزفُ لها لحن أغنيةٍ جديدةٍ فهي الفكرة والعبرة والطفلة وهي جوهر فرحي الابداعي الجميل، هي أنا وأنا هي وكلانا لأمّها عند المعاني والأغاني واتّحدنا في القصيدة في مشتركٍ جديدٍ لصورة اللغة التي تكبرُ، تكبرُ على لهف البلاغةِ، كلما بلغت «بتول» بدّلت السماء ثيابها واختارت ثوب الحقول، نظرتُ أعلى، نظرتُ تحت، هناك ابتسامتها التي تملأ ذاك المدى كالزنابقِ على جدران الريحِ، بكتِ الريح وضحكت «بتول»، وضحك المخيم مجاملةً على وتر البراءةِ.