منذ فترة، والانظار تتّجه نحو الغوطة الشرقية في دمشق، المنطقة التي استقطبت وسائل الاعلام العربية والعالمية بعد تعرّضها لهجوم كيميائي. في موازاة ذلك، كان الجيش السوري يكمل عملياته العسكرية في الغوطة الغربية التي تشهد منذ أسابيع تقدّماً ميدانياً سريعاً، بعد استعادة السيطرة على كل من الحسينية والذيابية والبويضة أخيراً.
مصدر ميداني كشف لـ«الأخبار» عن الاستعداد لعملية مرتقبة في هذه المنطقة والبلدات المحيطة بمنطقة السيدة زينب. ولهذه العملية دلالات عسكرية مهمة، تتمثّل بقطع أحد طرق إمداد المسلحين في ريف دمشق من الجولان ودرعا، وبمعنى آخر توسيع نطاق حماية العاصمة السورية، إضافة الى فتح الطريق الرئيسي المؤدي الى السيدة زينب.
أين ستكون المعركة المرتقبة وما هي طبيعة البلدات التي ستندلع فيها المعارك؟
يتهيّأ الجيش للمعركة الجديدة في كل من بيت سحم، الحجيرة، يلدا، ببيلا والغربة، استكمالاً للمعركة التي بدأت منذ أشهر، بحسب المصدر الميداني، الذي يشرح انه «لم يعد للمسلحين في الغوطة الغربية تأثير كما في السابق، إذ باتوا مشتتين ومربكين... بالنسبة لجزء كبير منهم، الدولة ارحم بكثير من جبهة النصرة وداعش». ولم يعد سراً وجود اتصالات بين منشقين عن الجيش السوري وضباط عاملين فيه، نتيجة للتقدم العسكري المستمر. فبعض هؤلاء «وضعوا أنفسهم تحت تصرّف الدولة»، بل «قاموا ببعض الخدمات الامنية التي سهّلت الامر ميدانياً ولا تزال تسهّل للمعركة المقبلة».
ويشرح المصدر طبيعة بعض البلدات التي يتوقع أن تكون مسرحاً للمعارك المقبلة، ويوضح أن الحجيرة، وهي تقع شمال غرب المقام وتبعد 600 متر عنه وتعتبر المدخل لبلدة السيدة زينب، من اكبر المناطق جغرافياً ضمن أخواتها في المعركة المقبلة، لكن ذلك «لن يمنع من تحريرها هي ايضا في وقت قصير جدا».
ويشير المصدر الى أن القلق يعمّ المسلحين في البلدة مع اقتراب دخول الجيش اليها، «وهناك مراسلات بين كبار قادة المعارضة والجيش بهدف إجراء تسوية لتسليم البلدة» الى النظام. واللافت ان ما تبقى من المسلّحين الذين كانوا في الذيابية والحسينية انتقل معظمهم الى الحجيرة والحجر الاسود، بحسب المصدر نفسه.
وتضم الحجيرة مجموعات مسلحة يتعدّى عددها العشر، بعضها يضم 20 عنصراً، فيما يصل عديد بعضها الآخر الى 200. ومعظم هؤلاء من نازحي الجولان. وأقوى المجموعات «ألوية احفاد الرسول» و«شهداء الجولان». ويقول المصدر ان هؤلاء «من ذوي السمعة السيئة للغاية»، بسبب عمليات السرقة والتعدي على املاك الناس، ما دفع بعض سكان البلدة الى التحرّك ضدهم رفضاً لممارساتهم. لكن أكثر ما زاد من نقمة الاهالي إزاء المسلّحين، هو ما قام به قياديان معارضان (أحدهما يُدعى حسين النميري ومساعده ابو فجر منديل)، بعدما سرقا ملايين الليرات التي كان يجب ان توزّع كمساعدات على المقيمين في البلدة، وفرّا.
أما بيت سحم، الواقعة شمال منطقة السيدة زينب، فقد شهدت بداية العام الجاري محاولة للمصالحة بين وزارة المصالحة الوطنية (علي حيدر) وجماعات معارضة. ويضم الجزء الداخلي من البلدة المسلحين، أما الجزء المحاذي لطريق المطار فتحت سيطرة الجيش. ويروي المصدر انه في الفترة الاولى، تبيّن ان المسلحين كانوا يناورون لادخال التموين الى البلدة. وبعد الحصول على المساعدات، انقلبوا على الاتفاق. ومنذ حوالي أكثر من شهر، قامت مجموعة من الافراد المحليين بإعادة إحياء المصالحة، وتمّ تسليم ما يقارب 50 شخصاً من بيت سحم، ليتبيّن لاحقاً انهم مدنيون لا علاقة لهم بالمسلّحين. وهم لا يزالون يناورون ايضاً، ما اوقف عملية التفاوض. وأكثر من ذلك، هدد المسلحون الأجانب زملاءهم السوريين في بيت سحم، بشنّ الحرب عليهم في حال تسليم البلدة او المصالحة. ولا تزال الامور في انتظار حل جدي وسط استمرار التفاوض.
يلدا، تحدّها من الجنوب الحجيرة، ومن الشرق ببيلا. تضمّ اسلاميين متشددين، «يتعاملون بعجرفة» مع مسلحي المناطق المحيطة، ويفرضون قوانين وشروطاً خاصة في البلدة عبر سلطة محلية، ومقرّهم الرئيسي في بلدية يلدا، التي تعدّ الافضل اقتصادياً بين اخواتها في القرى المحاصرة. بصورة غالبة، تسيطر على المنطقة جماعات اجنبية اسلامية. أما ببيلا، فلا تختلف أيضاً عن يلدا، حيث تنتشر فيها عناصر اجنبية اسلامية بكثافة. كما لديها حاكم ومحكمة شرعية.
أما الغربة، التي تبعد 800 متر غرب عن السيدة زينب، فباتت شبه مدمرة، وتسيطر عليها «جبهة النصرة». وتتعاون «الجبهة» في هذه المنطقة، مع جماعة «اكناف بيت المقدس» التي تضم متشدّدين مقربين من حركة «حماس». لكن وحدات النظام واللجان الشعبية مجهّزة بأسلحة مناسبة لقتالهم، خصوصاً بعدما اختبرتهم قبل نحو شهر، بحسب المصدر.
وتشكّل معركة الغوطة الغربية عامل ضغط إضافياً على المسلحين ليس فقط في الريف الغربي للعاصمة بل الريف الدمشقي عموماً. ومن الواضح ان الدولة قد حسمت امرها في هذه المعركة القريبة للتخلّص من المسلحين في الريف الغربي.
أما عن طبيعة هذه المعركة ميدانياً، فيقول المصدر انها «لن تكون صعبة على الاطلاق». ومن أبرز النقاط الايجابية التي تصبّ في مصلحة النظام، مقابل الخسائر المتتالية لقوى المعارضة، هي ان «الدولة تعرّفت على الاساليب والوسائل التي يستخدمها المسلّحين. مسألة هذه القرى هي أيام لا أكثر، مثل العقيلة والحسينية والذيابية والبويضة. هذه المناطق كافة كانت تعتمد على مقاتلين من الحجر الاسود، لكن في المعارك الاخيرة، لم تتم تلبية اي نداء استغاثة بسبب التشتّت والخيانة في صفوفهم»، بحسب المصدر نفسه، الذي يختم بأن هناك «استراتيجية معينة وفهما كبيرا لعقل العدو الامني، خصوصاً بعد التوغّل العميق داخل صفوف المعارضة وعلى مستوى القيادات».




تسويات وصراعات في القلمون


ريف دمشق ـ ليث الخطيب
تشهد العمليات العسكرية في ريف دمشق، أخيراً، طابعاً نوعياً ومركّباً؛ فإلى جانب المواجهات الحامية، تُنجَز تسويات واتفاقات جزئية، من الممكن لها ـ بحسب متابعين ـ أن تدفع عبر تراكمها باتجاه تحول نوعي كامل في المشهد العسكري والسياسي في ريف دمشق، قبيل انطلاق مسار الحل السياسي في «جنيف2». فقد بدأت الصراعات بين الجماعات المختلفة في المعارضة المسلّحة تلقي بظلالها على المشهد في ريف دمشق. فبعد إعلان تشكيل ما سمّي «جيش الإسلام»، تغيّرت طبيعة المعركة على نحوٍ بدأ يتضح اليوم تلو الآخر؛ فإلى جانب المواجهات الحامية بين الجيش السوري وهذا التشكيل الجديد للمعارضة المسلّحة، يرى متابعون أن تسويات كثيرة تجري على قدم وساق. وتحدّث مصدر مقرّب من الأوساط الرسمية لـ«الأخبار» عن تسوية كبرى كانت تُعَدّ في منطقة القلمون، منذ أكثر من عام. وقال المصدر إن ضابطاً رفيع المستوى من الجيش السوري تولّى متابعة هذا الملف، مشيراً إلى أنّ «بعض الجماعات المسلّحة بدأت تراجع مواقفها من الدولة السورية، ولا سيما بعدما بدأ وجود الأجانب في صفوف المعارضة المسلّحة، التكفيرية منها على وجه الخصوص، يشكّل خطراً على السوريين وتهديداً لوجودهم».
وأضاف المصدر: «هناك عوامل عديدة تسرّع في إنجاز هذه التسوية، أبرزها فرار مجموعات مسلّحة محسوبة على «جيش الإسلام» من الغوطة الشرقية إلى الريف الشمالي، بعد أن تعرضوا لضربة قاسية من الجيش، وأثاروا صراعات مع مسلّحي المنطقة».