تونس - يحبس التونسيون أنفاسهم في انتظار ما ستسفر عنه الأزمة السياسية التي تعيشها بلادهم منذ اغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد في ٦ شباط الماضي، والتي استفحلت بعد اغتيال القيادي الناصري محمد البراهمي في ٢٥ تموز الماضي، بما لم يعد يدع أي إمكانية لاستمرار الحالة السياسية على ما هي عليه.فعشية موعد بدء الحوار الوطني بين الأطياف السياسية، وبينما تحل الذكرى الثانية لصعود الترويكا الى الحكم، من المتوقع اليوم ان يقدم رئيس الحكومة علي العريض، على الاستقالة.
ورغم أجواء الاستعدادات للحوار، تبقى الذكرى الثانية للانتخابات، التي جاءت بحركة النهضة الى السلطة منذ عامين، مشوبة بمشاعر الإحباط واليأس غير المسبوقين بسبب الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد.

ويتطلع التونسيون اليوم الى خطاب رئيس الحكومة الذي يُفترض ان يعلن استقالة حكومته لتفتح الباب لتشكيل حكومة كفاءات لا يترشح أعضائها في الانتخابات المقبلة. وهو الشرط الأول في خارطة الطريق التي قبلتها حركة النهضة وكل الأحزاب الأخرى.
وكانت الحركة قد تراجعت سابقاً وأكدت عدم إمكانية استقالة الحكومة قبل استكمال الدستور والهيئة العليا المستقلة للانتخابات والقانون الانتخابي، لكن المنظمات الراعية للحوار الوطني والجبهة الوطنية للإنقاذ والنواب المنسحبين من المجلس الوطني التأسيسي، رفضوا ذلك.
وفي الوقت الذي اعتبر فيه أنصار الترويكا أن دعوة جبهة الإنقاذ الى التعبئة اليوم الأربعاء، في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة، محاولة للانقلاب على الشرعية، حسبما قالت عضو المجلس التأسيسي، سامية عبو، من حزب التيار الديموقراطي المنشق عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية.
الموقف نفسه عبّر عنه القيادي في «النهضة» نورالدين العرباوي، وكذلك ما يعرف بائتلاف الدفاع عن الانتقال الديموقراطي والذي يضم أحزاباً صغيرة قريبة من حركة النهضة.
في المقابل، اعتبرت جبهة الإنقاذ التي تمثل المعارضة، أن الشرعية انتهت منذ عام وان الترويكا تغتصب الحكم وهي لا تملك أي شرعية يمكن ان تهدد بها التونسيين.
جبهة الإنقاذ لم تكن الوحيدة التي دعت الى التعبئة في الشارع لإسقاط الحكومة، بل التقت مع دعوات المنظمات النسائية التي تشكل ائتلاف «حرائر تونس» وكذلك المنظمات الشبابية والمنظمات النقابية والجمعيات على ضرورة الخروج الى الشارع لإسقاط الحكومة التي فقدت مشروعيتها وشرعيتها. اذ ان المرسوم الرئاسي الذي دعا التونسيين الى انتخابات ٢٣ تشرين الاول ٢٠١١ من اجل انتخاب مجلس تأسيسي، حدّد مهام المجلس بصياغة دستور جديد يعوض دستور ١٩٥٩ وتكون مدة المجلس سنة واحدة.
وقد وقعت الأحزاب السياسية ــ باستثناء حزب المؤتمر من اجل الجمهورية ــ على ان يكون عمر المجلس عاماً واحداً، لكن أعضاء المجلس انقلبوا على هذا الاتفاق واعتبروه غير ملزم ورفضوا تحديد عمل المجلس. وهذا ما اعتبرته معظم القوى السياسية والنقابية والحقوقية أول نكسة للانتقال الديموقراطي وأول انقلاب حقيقي على ما توافقت عليه الأحزاب السياسية قبل الانتخابات.
اليوم سيكون يوماً حاسماً في تاريخ تونس، فإذا رفض رئيس الحكومة الاستقالة فهذا يعني عملياً دخول تونس في أزمة سياسية قد لا تخرج منها بسهولة، اذ ان استقالة الحكومة هي الشرط الأول الذي تترتب عنه باقي التوافقات.
وإذا لم يعلن عن الاستقالة فمعناها العودة الى مربع الصفر، وبالتالي الى مزيد من تأزم الوضع في ظل تنامي الأعمال الإرهابية وانتشار المجموعات المُسلّحة النائمة في مختلف أنحاء البلاد، حسب التقارير الأمنية.
أمّا الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تهدد البلاد بافلاس حقيقي، على ما يقول محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري، فلا مخرج منها من دون استقالة الحكومة والتوافق على حكومة كفاءات جديدة.
وبناءً على هذه المعطيات سيكون اليوم ٢٣ تشرين الاول يوماً حاسماً في تاريخ تونس التي تقترب حثيثاً من مخزن البارود.