لم تهنأ الرياض بإزاحة الدوحة عن التحكّم في عدد من الملفات الحساسة في المنطقة، من اسقاط حكم «الإخوان» في مصر إلى التحكّم بقيادة المعارضة السورية المتمثلة بـ«الائتلاف». إذ منذ الاتفاق الروسي ـــ الأميركي على إزالة دمشق أسلحتها الكيميائية، ثمّ التوجّه نحو الاعداد الجدي لمؤتمر «جنيف 2»، وبعدها التقارب الإيراني ـــ الأميركي، أصبحت المملكة العربية كمن يغرّد في سربه الخاص.
يوم أمس، سرّبت وكالة «رويترز» ما يمكن أن يعدّ انتفاضة سعودية على الغرب. إذ نقلت عن مصدر مطلع على السياسة السعودية أنّ رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان أبلغ مبعوثين أوروبيين أنّ بلاده ستجري تغييراً كبيراً في علاقتها مع الولايات المتحدة احتجاجاً على عدم تحركها بشكل فعال، في ما يخص الحرب في سوريا ومبادراتها للتقارب مع إيران.
وأبلغ المصدر وكالة «رويترز» أنّ الأمير السعودي قال إن واشنطن لم تتحرك بفعالية في الأزمة السورية وفي الصراع الإسرائيلي ــــ الفلسطيني وتتقارب مع إيران، ولم تؤيد دعم السعودية للبحرين عندما قَمَعت الحركة الاحتجاجية المعارضة عام 2011. ورأى المصدر أنّ هذا التغيّر في الموقف السعودي تحوّل كبير، وأن المملكة لا تريد بعد الآن أن تجد نفسها في وضع التبعية.
وتأتي تصريحات بندر في أعقاب قرار السعودية المفاجئ، يوم الجمعة، الاعتذار عن عدم قبول مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي، احتجاجاً على ما وصفته بـ«ازدواجية المعايير» في الأمم المتحدة.
وروى دبلوماسيون في الخليج لـ«رويترز» أنّ بندر قاد على مدى السنة الأخيرة جهود السعودية لتوصيل أسلحة ومساعدات أخرى لمقاتلي المعارضة السورية، في حين تولى ابن عمه وزير الخارجية سعود الفيصل الجهود الدبلوماسية.
وامتنع المصدر عن تقديم مزيد من التفاصيل عن محادثات رئيس المخابرات السعودية مع الدبلوماسيين الأوروبيين، والتي جرت في الأيام الأخيرة. لكنه أشار إلى أنّ التغيير المزمع في العلاقات مع الولايات المتحدة سيكون له تأثير على مجالات كثيرة، من بينها مشتريات السلاح ومبيعات النفط.
وتحتفظ السعودية بجانب كبير من إيراداتها في صورة أصول أميركية، ويعتقد أنّ معظم الاحتياطيات النقدية لمؤسسة النقد العربي السعودي الصافية، وقدرها 690 مليار دولار، مقومة بالدولار وقسط كبير منها في صورة سندات خزانة أميركية.
وقال المصدر السعودي: «كل الخيارات على الطاولة الآن، وسيكون هناك بالتأكيد بعض التأثير». وأضاف أنّه لن يكون مزيد من التنسيق مع الولايات المتحدة بخصوص الحرب في سوريا.
وأبلغت المملكة الولايات المتحدة بما تقوم به في سوريا، ويقول دبلوماسيون إنّها استجابت لطلب واشنطن عدم تزويد المعارضة السورية بأسلحة متقدمة يخشى الغرب أن تصل إلى ايدي جماعات مرتبطة بتنظيم «القاعدة».
لكن رجال أعمال أميركيين في الرياض، طلبوا عدم الكشف عن اسمائهم، قالوا إنّهم «يعتقدون أنّ العثرات السياسية في العلاقات الأميركية ـــ السعودية ستؤثر كثيراً على أعمالهم». ورأى أحدهم أنّ «العقود الكبيرة في أغلبها عقود حكومية، لكنني لا أرى محتوى سياسياً في عملية إرساء العقود».
«أصدقاء سوريا»: لا دور للأسد في سوريا الجديدة
في سياق آخر، كرّرت مجموعة «أصدقاء سوريا» أنّ الرئيس بشار الأسد لن يؤدي «أي دور» في الحكومة السورية المقبلة، وذلك في إطار جهودها لاقناع المعارضة بالمشاركة في مؤتمر «جنيف 2».
وضمان استبعاد الرئيس السوري عن هذه العملية، أدرج في البيان الختامي للاجتماع المقتضب لوزراء خارجية المجموعة. في وقت لم يخف وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، الذي ترأس الاجتماع في لندن أمس، وجود «صعوبات هائلة» تقف حائلاً دون تنظيم «جنيف 2»، معتبراً أنّ مشاورات أمس تقترب من كونها «بداية عملية». وأضاف أنّه «لن يكون هناك حلّ سياسي وسلمي من دون مشاركة المعارضة المعتدلة».
وشدّدت الدول الإحدى عشرة على أهمية اشراك «الائتلاف» في هذه العملية السياسية. وسيبحث الأخير في مستهل الشهر المقبل احتمال مشاركتها في المؤتمر.
وذكر بيان «أصدقاء سوريا» بأنّ مؤتمر السلام ينبغي أن يكون فرصة «لتشكيل حكومة انتقالية تتمتع بسلطات تنفيذية كاملة، تشمل الأمن والدفاع والبنى الاستخباراتية». وأضاف البيان: «حين يتم تأليف الحكومة الانتقالية، فإن الأسد ومساعديه القريبين الذين تلطخت أيديهم بالدماء لن يضطلعوا بأيّ دور في سوريا».
وكرّر موقعو البيان، من جهة أخرى، «قلقهم المتنامي حيال تقدم التطرف والمجموعات المتطرفة»، معتبرين أنّ التنظيمات المرتبطة بـ«القاعدة» إضافة إلى عناصر حزب الله ومقاتلين أجانب آخرين «يهددون القوى المعتدلة، وكذلك سيادة الأراضي والأمن الاقليمي والدولي».
وتمثل «الائتلاف» برئيسه أحمد الجربا، الذي حذّر، اثر الاجتماع، من أنّه لن تحصل أي مفاوضات إذا لم يتم الحصول على ضمانات أن «جنيف 2» سيكفل ارساء مرحلة انتقالية وتنحي الأسد، مؤكداً رفض «الائتلاف» الجلوس إلى طاولة المفاوضات إذا كان الرئيس السوري حاضراً.
وقال الجربا، في كلمة أمام الاجتماع، إن المعارضة تجازف بفقدان مصداقيتها إذا استسلمت للضغوط الدولية بالذهاب إلى جنيف، «من دون تحقيق هدف الانتفاضة الرئيسي وهو الاطاحة بالأسد».
كيري: لن تنتهي الحرب بوجود الأسد
من جهته، قال وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، إنّه «من دون حل تفاوضي فإن المجزرة ستستمر وربما ستزداد» في سوريا، معتبراً أنّ «هذه الحرب لن تنتهي ما دام (الأسد) حيث هو». كذلك قال كيري إنّه لا يمكن حلّ الصراع في سوريا إلا من خلال الوسائل الدبلوماسية.
من جهته، اعتبر نظيره الفرنسي، لوران فابيوس، أنّ الدول الإحدى عشرة كانت «واضحة» إلى اقصى الحدود على صعيد «التحضير لجنيف 2 وظروفه».
في موازاة ذلك، أعلنت الأمم المتحدة أنّ المبعوث الأممي والعربي إلى سوريا، الأخضر الإبراهيمي، سيعقد مطلع تشرين الثاني المقبل اجتماعاً جديداً مع مسؤوليْن أميركي وروسي، تحضيراً لمؤتمر جنيف.
كذلك اجرى الإبراهيمي، أمس، محادثات في مسقط مع وزير الخارجية يوسف بن علوي تناولت التحضيرات لمؤتمر جنيف. ووصل إلى سلطنة عمان آتياً من الكويت، حيث كان قد التقى وزير الخارجية الكويتي صباح الخالد الأحمد الصباح، على أن ينتقل اليوم إلى الأردن.
وأكد بن علوي دعم بلاده لحلّ تفاوضي، مؤكداً «أنّ السلطنة ستقدّم كل جهد ممكن تشارك فيه في إطار الحل السلمي، واستخدام الدبلوماسية المرنة لحل مشكلات سوريا».
إلى ذلك، أعلنت منسقة البعثة المشتركة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة، سيغريد كاغ، أنّ دمشق تتعاون «بشكل كامل» مع المفتشين، وذلك في بيان أصدرته أمس.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)