«قانونٌ نافذٌ لا محالة، ولكن يجب علينا أن نستمع للرأي الآخر» كلمات موجزة أوردتها مصادر «الأخبار» في الرئاسة المصرية تعليقاً على الجدل الحاصل حول بنود قانون التظاهر الذي أجَّل مجلس الدفاع الوطني إقراره، وطرحه لحوار مجتمعي لمدة أسبوع، إثر الانتقادات الواسعة والهجوم اللاذع الذي طال حكومة حازم الببلاوي، عقب إقرار مشروع القانون وإرساله إلى الرئيس المؤقت عدلي منصور.
وأوضحت المصادر الرئاسية أن «الشعب المصري لم ينتظر أحداً من الداخل أو الخارج ليمنحه حق التظاهر، لكنه انتزع هذا الحق ومارسه حتى قبل أن يعرفه العالم، هو نفسه الشعب الذي استطاع إخضاع أعتى وأقوى الأنظمة باستخدام هذا الحق، ولم تستطع أي قوى داخلية أو خارجية مهما كان بطشها أو قوتها أن تسلبه هذا الحق، هكذا قال التاريخ ويقول الحاضر وسيقول المستقبل».
استاذ القانون في جامعة عين شمس، منصور أحمد، أوضح لـ«الأخبار» أنه منذ بدايات عملية سن قوانين تنظم الحق في التجمع السلمي والتظاهر في مصر مطلع القرن الماضي كان هناك تقييد واضح من قبل المشرّع للحق في التظاهر، فعندما كانت مصر ترزح تحت نير الاحتلال البريطاني أُصدرت أول القوانين التي «تنظم» هذا الحق، مثل قانون 10 لسنة 1914 بشأن التجمهر، والمعدل بالقوانين أرقام 14 لسنة 1923، و28 لسنة 1929. هذه القوانين، في الحقيقة، مثلت رغبةً قويةً من المحتل بتقييد هذا الحق، من أجل ضمان سيطرته على الدولة وإخضاع أي قوى معارضة لسياساته.
وأوضح أحمد أن التعديل الذي صدر عام 1968 بعد جلاء الاحتلال بـ14 عاماً لم يختلف كثيراً عما سبقه في استرداد حق التظاهر، حيث أحكمت السلطة التنفيذية ممثلة بأجهزة الأمن قبضتها على المجتمع وقمعت هذا الحق. وخلال حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك تكرّس قمع الجهاز الأمني لكافة أشكال التظاهر والاحتجاج، واستخدم قانون الطوارئ بشكل فج في تقييد الحق في التظاهر، ورغم ذلك أزيح مبارك بثورة قوامها التظاهر السلمي في النهاية.
ثم أتى نظام الرئيس المعزول محمد مرسي ليطرح قانوناً «ينظّم» الحق في التظاهر، لكنه قوبل برفض كافة الأطياف السياسية والحقوقية، وبالمقابل شنَّت جماعة الإخوان المسلمين، التي ينتمي إليها مرسي، حملةً منظمة ضد التظاهر والمتظاهرين، ولم تترك وسيلة إلا وانتهجتها لإلصاق جميع مشاكل الدولة، بالمتظاهرين ومظاهراتهم، لكن ذلك لم يمنع من عزل مرسي بالوسيلة نفسها، حيث نُظِّم في عهده واحدة من أكبر الموجات الاحتجاجية وصلت لـعشرة آلاف احتجاج خلال عامه الرئاسي الوحيد. والآن تطرح حكومة الببلاوي مشروعاً «ينظم» الحق في التظاهر في لباس جديد لكن مضمونه يعد تكراراً لمشروع حكومة الرئيس مرسي، أو تقنيناً لممارسات الأمن القمعية للحق في التظاهر.
وفي ما يتعلق بمشروع القانون الحالي، اعتبر استاذ القانون أن المشرع العادي لا يملك الحق في تقييد حق التظاهر أو تعطيله أو تفريغه من محتواه، وإلا اعتبر ذلك منعاً للتظاهر وهو ما تبرهنه عدد من النقاط أهمها: إن القوانين المنظمة لهذا الحق تعتمد بالأساس على نص دستوري، والدستور المصري معطل ويجري تعديله في الفترة الراهنة، فعلى أي أساس دستوري اعتمد مشروع القانون المقدم؟ ثم كيف للسلطة التنفيذية أن تضع مثل هذا القانون في غياب تام لسلطة التشريع (مجلسي الشعب والشورى)؟ مذكراً أنه عندما سعت حكومة الرئيس مرسي لإقرار قانون مماثل في ظل غياب مجلس الشعب وبالرغم من وجود مجلس الشورى، قوبلت برفض وهجوم من قبل كافة القوى السياسية، بحجة أن سلطة التشريع غير مكتملة.
من جهتها، قالت استاذة القانون في الجامعة، عائشة أمين، إن مشروع القانون جاء في مجمله مجرماً للاعتصام، إذ نصت المادة (7) على أنه «يحظر ــ في ممارسة الحق في الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة ــ الاعتصام أو المبيت بأماكنها». وتجريم الاعتصام الذي يعد ممارسة أحد المسارات الشرعية للحق في التجمع السملي والتظاهر هو انتقاص متعمد من هذا الحق.
ولفتت أمين إلى أن مشروع القانون أعطى سلطة مطلقة للأجهزة الأمنية في تنظيم عملية الاحتجاج والبت بالموافقة عليها بشكل يُهمّش دور سلطة الرقابة القضائية، إذ وفق المادة (8) «يجب على من يريد تنظيم اجتماع عام أو تسيير موكب أو مظاهرة أن يخطر كتابة بذلك قسم أو مركز الشرطة الذى يقع بدائرته مكان الاجتماع... ويتم الإخطار قبل بدء الاجتماع أو الموكب أو المظاهرة بسبعة أيام عمل على الأقل، على أن يتم تسليم الطلب باليد أو بموجب إنذار على يد محضر (…)». كذلك فإن المواد (11، 12، 13، 14، 15) منحت الشرطة الحق في رفض التظاهر تحت مسميات فضفاضة أو غيبية، فقد أعطت المادة (11)، على سبيل المثال، جهاز الشرطة الحق في فض المظاهرة إذا وصلته معلومات أن القائمين عليها سوف ينصرفون عن هدفها الرئيسي.
وتابعت: كما أن المادة (9) ضخّمت دور الشرطة على حساب السلطة القضائية، إذ أعطتها الحق بالتدخل بين صاحب الحق وكافله حيث نصت أنه «على وزير الداخلية أو من ينيبه ــ قبل عقد الاجتماع أو تسيير الموكب أو المظاهرة ــ إخطار الجهات المعنية بمطالب المجتمعين أو المشاركين في الموكب أو المظاهرة المخطر عنها، من أجل محاولة إيجاد حلول لتلك المطالب أو الاستجابة لها».
ورأت أمين أن مشروع القانون تحول إلى أداة لتقنين تجاوزات الجهاز الشرطي ضد المتظاهرين والالتفاف حول الحق في التظاهر، حيث إنه أغفل دور سلطتي التشريع والقضاء، إذ لم يذكر السلطة التشريعية في أي من مواد القانون، بينما أشار بشكلٍ هامشي للسلطة القضائية، ما يعد مؤشراً خطيراً ينذر بإعادة منظومة تشريع ما قبل الثورة، أو ربما ما هو أسوأ.
وأكدت أن مشروع القانون تعمد إغفال حقوق العمال والطلاب في التظاهر عندما حظر الإضراب المعطل للإنتاج مثلاً، أو التظاهر في حرم مؤسسات الدولة، ما يفتح الباب أمام تطبيقه في الجامعات أيضاً. واعتبرت أن مشروع القانون أفرط في إجراءات العقاب، حيث أفرد المواد من (17-25) لوصف العقاب الذي وصل لسنوات من السجن ومئات الآلاف كغرامة، كما شدد على معاملة الخارجين عن قواعد المظاهرة بما يشبه معاملة المتهمين الجنائيين.
وأضافت أمين أن مشروع القانون بفرضه الإخطار قبل سبعة أيام دوام من موعد التظاهر يقيّد ممارسة هذا الحق بشكل واسع، حيث إنه أغفل الأحداث التي تتطلب رداً سريعاً، وما يسمى بالمظاهرات العفوية التي تأتي رداً على حدثٍ جلل. كما أنه أعاد مصر إلى قانون الطوارئ من حيث اعتباره لأي جماعة أكثر من 10 أشخاص موكباً أو مسيرةً، حتى لو كانت لأغراض غير سياسية، ما يجعل رحلات الجامعات، وتجمعات الأصدقاء، والأفراح، وحتى تجمعات الجنازات، عرضة للتدخل الأمني والتضييق.
وختمت أن مشروع قانون التظاهر المقدم من حكومة الببلاوي فقد مصدر قوته الدستورية، ويعمل على تغول سلطة التنفيذ في شأن إدارة هذا الحق، إذ قيّدت نصوصه الحق في التظاهر وعطّلته بالعديد من الشروط والعقوبات، بدلاً من أن تكفله وتتيحه.



القانون يستهدف تقييد حرية التظاهر

إنتقدت 17 منظمة حقوقية مصرية مشروع قانون التظاهر واعتبرت أنه يستهدف تقييد حرية التظاهر والإضراب في مصر.
وقالت المنظمات في بيان أمس أن مشروع القانون «وضع قيوداً عديدة على حرية المواطنين في الإجتماع العام حتى أنه سمح لقوات الأمن بحضورها تحت دعوى تأمينها، وألزم المنظمين بإخطار وزارة الداخلية قبلها بسبعة أيام عمل، حتى وإن تم تنظيمها في أماكن خاصة». وأوضحت أنه «بموجب هذا المشروع يتاح لقوات الأمن أن تحضر الندوات التي تنظمها الأحزاب السياسية والمراكز البحثية والجمعيات الأهلية وغيرها، بل أعطى لها حق فض هذه الندوات لأسباب متعددة، من بينها تجاوزها للمدة المبينة في الإخطار، بوسائل قد تصل إلى استخدام طلقات الخرطوش المطاطي وقنابل الغاز».
واعتبرت أن هذا المشروع الجديد «بمثابة إعادة الإعتبار السياسي لمشروع قانون التظاهر الذي فشلت حكومة الإخوان في إصداره في نيسان 2013 بسبب الإنتقادات الواسعة من هيئات دولية» مختلفة. وفي ظل عدم وجود برلمان بعد حله في صيف 2012 فإن لرئيس الجمهورية المؤقت، أن يصدر قرارات بقوانين إلى حين الإنتهاء من وضع دستور جديد للبلاد وإجراء انتخابات تشريعية في الربيع المقبل.
(رويترز)