حُكم عملياً بالإعدام على النشاط الفلسطيني التحرري انطلاقاً من أراضي شرق نهر الأردن، منذ إخراج «منظمة التحرير» منها بداية السبعينيات، ولكن الرصاصة الأخيرة أطلقت على الجسم الفلسطيني السياسي عام 1999 حينما قررت الحكومة الأردنية طرد رئاسة وأعضاء المكتب السياسي لحركة «حماس» من عمّان.
منذ ذلك الوقت، أي من قرابة خمس عشرة سنة، والعمل السياسي ضد إسرائيل لا يتخطى حدود التأييد والمناصرة لبعض الفصائل الفلسطينية، وعبر بوابات سياسية أردنية، من حركات قومية وصولاً إلى «جماعة الإخوان المسلمين»، في المملكة، التي كان يظهر في بعض احتفالاتها، التي انقطعت أخيراً بسبب تشظي الجماعة، معالم التأييد لـ«حماس».
تغض الدولة النظر عمن يريد الخروج للمقاتلة مع «داعش»

لكن الخوف كان سيد الموقف في تلك السنوات، ووجود راية لفصيل فلسطيني قد يقود صاحبه إلى السجن. حتى الرقيب الذاتي يُعمل نفسه لدى الفلسطينيين بشأن ما يكتبونه على صفحاتهم في المواقع الاجتماعية. ومع أن حرب عام 2006 بين حزب الله وإسرائيل، كان يمكن أن تكون بوابة للتعاطف وللحديث عن فلسطين، فإن التأثير السلفي القوي وقف بالمرصاد. ثم في أعوام 2008 و2012، سمح تحت عنوان «التضامن مع غزة» بخروج بعض المسيرات والاحتجاجات.
حتى الاعتراض على وجود السفارة الإسرائيلية والتطبيع التجاري والسياسي مع العدو الإسرائيلي، يمر من بوابات أردنية لا فلسطينية، برغم أن مثل هذه النشاطات تنتهي بقمعها عادة. أما في حرب 2014، التي جرت في خضمّ الصراع الإقليمي في المنطقة، وفي ظل غياب معارضة أردنية حقيقية، فلم تكن مناسبة للتحشيد الوطني.
أكثر من أربعة ملايين فلسطيني في المملكة محرومون المشاركة السياسية تحت عنوان فلسطيني، وهم الذين فرضت عليهم الجنسية الأردنية فرضاً ما بعد النكبة الفلسطينية بسنة، باتوا اليوم خارج دائرة الصراع، على خلاف اللاجئين في سوريا ولبنان، الذين غذوا خزان «الثورة الفلسطينية» لعقود. وليست درجة التحييد مقتصرة على النشاط الأمني أو العسكري، بل تشمل جميع أنواع العمل السياسي أو الإعلامي وحتى الخيري.
وفيما تغض الدولة النظر عمن يريد الخروج للمقاتلة تحت راية «داعش» أو «جبهة النصرة» في كل من العراق وسوريا، لن يرى وجه الشمس من يفكر بتنفيذ عمل أمني ضد إسرائيل، التي «تربطنا بها اتفاقية سلام»، وهي ديباجة المنظّرين لتوعية «الجهلة»، ممن يحاولون تذكّر وطنهم. حتى إذا قتل الإسرائيليون على الشبهة أو لأي سبب آخر، مواطناً يحمل الجنسية الأردنية، فلن يفكر أحد في قطع العلاقات، وليس استشهاد القاضي رائد زعيتر إلا أوضح دليل على ذلك، فيما لا يعرف أحد أين انتهت لجنة التحقيق في مقتله.
اليوم، في فلسطين تشتعل انتفاضة وقودها شباب من أعمار الزهر، يقدمون بكل بسالة على قتل عدوهم بما توافر من أدوات مطبخ البيت، تحت عنوان «انتفاضة القدس»، التي تركها العرب أمانة لدى «الهاشميين»، وما عنهم وعنها من أحد مدافع.